جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

التنبیه السادس: فی استصحاب أحكام الشرائع السابقة

استشكل فی جریان الاستصحاب إذا كان المتیقّن من أحكام الشـریعة السابقة وشكّ فی بقائه وارتفاعه بنسخه، تارة: بعدم الیقین بثبوتها فی حقّ من لم یدرك الشـریعة السابقة، لاحتمال اختصاصها بالموجودین فی زمانها فلا یقین بثبوتها فی حقّ غیر الموجودین حتّى یشكّ فی بقائها.

وتارة اُخرى: بأنّا وإن فرضنا ثبوتها فی حقّ غیر المدركین لها حسب إطلاق أدلّتها، إلّا أنّه لا اعتبار لهذا الإطلاق بعد القطع بارتفاع مدالیلها، لأنّ الشـریعة السابقة صارت منسوخة بشریعتنا فلا شكّ فی بقائها، للقطع بنسخها وعدم بقائها.

والجواب عن الأوّل: أنّ الحكم فی الـشریعة السابقة لم یثبت على الموجودین فی الخارج بنحو القضایا الخارجیة الّتی مصادیق موضوعاتها الأفراد الموجودة فی الخارج، كما إذا قلنا: حضر علماء البلد المجلس الكذائی. بل إنّما ثبت للأفراد على نحو القضایا الحقیقیة، كما فی قوله تعالى:  ﴿اَلْإِنْسانُ عَلَى‏ نَفْسِهِ بَصِیرَةٌ([1]) أو ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِی‏ خُـسْرٍ،([2]) فالحكم فی هذه القضایا یشمل جمیع أفراد موضوعاتها سواء كانت محقّقة الوجود أو مقدرّة. ولو لم یكن كذلك لما صحّ استصحاب الأحكام الثابتة فی شرعنا الحنیف، ولا النسخ بالنسبة إلى غیر الموجودین فی زمان ثبوت الحكم. فكما أنّ الحكم

 

فی شریعتنا ثابت لعامّة الأفراد ممّن وجد أو یوجد ویستصحب إذا شكّ فی بقائه، فالحكم فی الشریعة السابقة أیضاً ثابت لمن وجد أو یوجد فیجری فیه الاستصحاب.

وأمّا الجواب عن القطع بنسخ الشریعة السابقة: أنّ ما ثبت من نسخ الشـریعة السابقة عدم بقائها بتمامها لا ارتفاعها بجمیعها.

لا یقال: إنّ العلم الإجمالی بارتفاع بعضها یمنع من استصحاب ما شكّ فی بقائها.

فإنّه یقال: إنّه یمنع إذا كان المستصحب من أطراف ما علم ارتفاعه بالإجمال، وأمّا إذا علم بمقداره تفصیلاً بحیث كان الشكّ فی مورد بدویاً، أو كان المشكوك فیه ممَّا علم عدم نسخه فلا یمنع عنه، بل یمكن أن نقول بالعلم التفصیلی بنسخ ما فی موارد الأحكام الثابتة فی هذه الشریعة دون غیرها.([3])

ثم إنّ الشیخ الأنصاری أجاب عن الإشكال الأوّل: بأنّ المستصحب هو الحكم الكلّی الثابت للجماعة على وجه لا مدخل لأشخاصهم فیه إذ لو فرض وجود اللاحقین فی السابق عمّهم الحكمُ قطعاً، غایة الأمر احتمال مدخلیة بعض أوصافهم المعتبرة (المتغیّرة) فی موضوع الحكم... إلخ.([4])

وربّما توهّم عبارته أنّ الحكم ثابت للكلّی كالملكیة الثابتة فی باب الزكاة والوقف العامّ، فلا مدخلیة للأشخاص فیها، وإذا كان كذلك لا یصحّ تعلّق الزجر والبعث إلیه.

وبعبارة اُخرى: الحكم بالكلّی یصحّ بالإضافة إلى المکلّف به لا المكلّف، فالملكیة فی باب الزكاة تكون فی المکلّف به وهو کلّی. أمّا المكلّف فلا یعقل أن یكون کلّیاً، لأنّه لا یعقل بعث الکلّی، فلابدّ أن یكون ذلك إمّا باعتبار أفراده الخارجیة، أو أعمّ منها ومن أفرادها المقدّرة وجودها. ولعلّ الشیخ أراد ذلك.

 

وأجاب عن الثانی: بأنّا نفرض الشخص الواحد مدركاً للشـریعتین فإذا حرم فی حقّه شیء سابقاً وشكّ فی بقاء الحرمة فی الشریعة اللاحقة، فلا مانع عن الاستصحاب أصلاً، فإنّ الشریعة اللاحقة لا تحدث عند انقراض أهل الشریعة الاُولى.([5])

وأورد علیه المحقّق الخراسانی: بأنّ الاستصحاب وإن كان یجری فی حقّ المدرك للشریعتین، أمّا جریانه فی حقّ من لم یدرك متوقّف على كونه كالمدرك على یقین بالحكم الثابت علیه فی الشریعة والشكّ فی بقائه، ولیس لغیر المدرك للشـریعة السابقة الیقین بثبوت الحكم له والشكّ فی بقائه.([6])

ویمكن أن یقال: نعم، لا یجری الاستصحاب بالنسبة إلى غیر المدرك، أمّا جریانه فی المدرك للشریعتین مستلزم للحكم به على غیر المدرك وذلك للإجماع على عدم اختلاف تكلیف المدرك وغیر المدرك، فأفهم.

 

([1]) القیامة، 14.

([2]) العصر، 2.

([3]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص323 - 324.

([4]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص381.

([5]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص381.

([6]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص325.

موضوع: 
نويسنده: