جمعه: 31/فرو/1403 (الجمعة: 10/شوال/1445)

الأمر الأوّل: فی بیان النسبة بین الاستصحاب وغیره

إعلم: أنّه قد أفاد فی الكفایة فی بیان النسبة بین الاستصحاب والاُصول العملیة: أنّها بعینها هی النسبة بین الأمارات وبینه،([1]) فیكون الاستصحاب مقدّماً على هذه الاُصول، وإلّا یلزم فی النقلیة منها ـ كالبراءة الشرعیة من تقدّمها على الاستصحاب ـ  إمّا تخصیص دلیله بدون المخصّص، أو القول بكون المخصّص لدلیله دلیل البراءة الشرعیة وهو مستلزم للدور؛ لأنّ كونه مخصّصاً لدلیل الاستصحاب یتوقّف على اعتباره مع الاستصحاب، واعتباره معه یتوقّف على كونه مخصّصاً له. وعلى هذا، یكون الاستصحاب وارداً على البراءة الشـرعیة بالورود التعبّدی، بمعنى كونه رافعاً للشكّ أو الاحتمال الّذی هو موضوع البراءة بحكم الشرع تعبّداً لا حقیقة فینتفی به موضوع البراءة تعبّداً.

وأمّا الاُصول العقلیة فالاستصحاب یقدّم علیها لكونه رافعاً لموضوعها واقعاً وحقیقة، لكونه بیاناً فی مواردها.

فمثل التخییر العقلی إنّما یكون مرجعاً إذا لم یكن بیاناً معیّناً لأحد الطرفین (الحرمة والوجوب)، والاستصحاب بیان للطرف الّذی یقوم علیه.

 

وكذا یرتفع به موضوع البراءة العقلیة وهو عدم البیان.

وموضوع الاحتیاط الناشئ من العلم الإجمالی بالتكلیف وهو عدم الأمن من العقوبة بالإتیان ببعض الأطراف دون البعض، فإذا علم بخمریة أحد الإناءین یجب الاجتناب عنهما، أمّا إذا علم بكون أحدهما سابقاً خمراً والآخر خلّا ینحلّ العلم الإجمالی بوجوب الاجتناب عن أحدهما المعیّن والشكّ فی وجوب الاجتناب عن الآخر، بل وإن لم تعلم الحالة السابقة للطرف الآخر.

هذا، وأمّا السیّد الاُستاذ+ فیظهر من تقریرات بحثه الـشریف: أنّه لا یرى التعارض بین الاستصحاب وسائر الاُصول العملیة، فالبراءة العقلیة عنده عبارة عن حكم العقل بأنّ مجرّد الاحتمال لا یوجب تنجّز التكلیف، ولا ینافی ذلك قیام الحجّة على التكلیف، لأنّ تنجّزه بالاستصحاب لیس بمجرّد الاحتمال بل بالحجّة القائمة علیه. وبعبارة اُخرى: مفهوم البراءة العقلیة وعدم تنجّز التكلیف بمجرّد الاحتمال تنجّزه إذا قامت الحجّة علیه والاستصحاب حجّة علیه.

وأمّا بالنسبة إلى البراءة النقلیة، فإن كان مفاد ما یدلّ علیها الإرشاد إلى حكم العقل، وأنّ التكالیف المجهولة مرفوعة عن الاُمّة ولا تصیر فعلیة، فالكلام فیها هو الكلام فی البراءة العقلیة. إلّا أنّ ظاهر دلیلها بالتدقیق هو التأسیس لا الإرشاد إلى حكم العقل المذكور. وحینئذٍ إن كان مفاد دلیلها إخباراً عن عدم جعل طریق منجّز للتكالیف المجهولة، فلا ریب فی تعارض دلیلها مع دلیل الاستصحاب، بل وسائر الطرق والأمارات. لكن هذا أیضاً خلاف الظاهر.

والتحقیق فی مفاد دلیلها هو: أنّ التكالیف المجهولة بعنوان أنّها مجهولة مرفوعة عن الاُمّة، بمعنى أنّها مع الجهل بها وإن كانت تقتضـی جعل الاحتیاط إلّا أنّها صارت مرفوعة عن الاُمّة.

 

وبعبارة اُخرى مفاده عدم جعل الاحتیاط فی التكالیف المجهولة بما هی مجهولة. وهذا معنى لا تعارض بینه وبین قیام الحجّة على ثبوت التكلیف، والاستصحاب وسائر الأمارات حجّة. مع أنّ التكلیف المجهول بمجرّد قیام الحجّة علیه یخرج عن عنوان المجهولیة.([2])

أقول: ویمكن أن نقول: إنّ دلیل البراءة النقلیة إنّما ینهض بعد الفحص عن الحجّة على التكلیف وعدم الظفر به، سواء كانت الحجّة الاستصحاب أو غیره، فتدبّر.

 

([1]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص351.

([2]) الحجّتی البروجردی، الحاشیة على كفایة الاُصول، ج2، ص450 - 451.

موضوع: 
نويسنده: