شنبه: 1/ارد/1403 (السبت: 11/شوال/1445)

فصل:
فی معنى التعارض

إعلم: أنّه قد أفاد السیّد الاُستاذ([1]) بأنّ أحسن التعاریف وأتمّها فی الباب المعنون فی کلمـاتهم بالتعادل والترجیح أو التراجیح هو ما ذكره صاحب الكفایة،([2]) وذلك لأنّه أظهر من أن یبیّن بغیر لفظه.

والتعادل والترجیح ظاهر فیما یطرأ على المتعارضین من تعادلهما وكون کلّ واحد منهما عدلاً للآخر، أو ذا مزیّة ورجحان علیه.

فاللازم قبل ذلك تعریف التعارض الواقع بین الدلیلین، وهو: یتحقّق بینهما بكونهما متنافیین بحسب المدلول ذاتاً بالتناقض، كما إذا قال: یجب إكرام زید، ولا یجب إكرام زید؛ أو بالتضادّ، كما إذا قال: یجب إكرام زید، ویحرم إكرام زید.  أو عرضاً، كما إذا علم إجمالاً بكذب أحدهما.

وهذا إنّما یكون إذا لم یكن أحدهما قرینة على إرادة ما هو خلاف الظاهر من الآخر، وإلّا ینتفی التعارض بینهما. فلابدّ فی مقام مقایسة أحد الدلیلین مع الآخر من ملاحظة

 

أنّه هل یكون قرینة على إرادة خلاف الظاهر من اللفظ الآخر أم لا؟ فإذا كان أحدهما قرینة على ذلك لا یتحقّق التعارض بینهما أصلاً، ولا نحتاج إلى الرجوع إلى الأخبار العلاجیة والترجیح والتخییر، وملاحظة فتوى المشهور، وإن كان الدلیلان بقطع النظر عن كون أحدهما قرینة على تعیین المراد من الآخر متعارضین، فهذه قاعدة کلّیة فی باب التعارض. وعلى ذلك، لا یدخل فی باب المتعارضین العامّ والخاصّ، والمطلق والمقید، لكون الخاصّ أو المقیّد بالنسبة إلى العامّ والمطلق نصّاً فی الخصوص وقرینة عند العرف على عدم إرادة العموم من العامّ والمطلق.

فلا وجه لما قاله البعض من لزوم ملاحظة فتوى المشهور والأخذ بما یطابقها من العامّ أو الخاصّ.

وذلك لأنّ فتوى المشهور إنّما تلاحظ فیما إذا كان الدلیلان متعارضین، ولا یرى العرف تعارضاً بین العامّ والخاصّ والمطلق والمقیّد أصلاً، بل الخاصّ عندهم قرینة على عدم إرادة العموم من العامّ، وهكذا فی المطلق والمقیّد.

نعم، إذا لم یكن الخاصّ والمقیّد نصیّن فی مدلولهما بل كانا ظاهرین فی مدلولهما یدخلان مع العامّ والمطلق فی باب التعارض. بل إذا كان العامّ والمطلق ـ فی مورد ـ بسبب احتفافهما بقرینة أنصّ وأظهر دلالة من الخاصّ والمقیّد یقدمان علیهما، ولا تعارض بینهما أیضاً. ولكن الغالب ـ إذا كان العامّ والخاصّ مجرّدین عن قرینة تختصّ بموردهما ـ قرینیة الخاصّ والمقیّد، لأنّ الظاهر من العامّ والخاصّ عدم كونهما مراداً للمتكلّم.

وممّا ذكر یظهر عدم التعارض بین الأدلّة المشتملة لبیان أحكام الموضوعات بعناوینها الأولیّة والأدلّة المتكفّلة لبیان أحكامها بعناوینها الثانویة، مثل الضـرر والحرج والعسـر والإكراه والاضطرار، فإنّه لا یتحیّر أهل العرف فی تقدیم الثانیة على الاُولى ویرون الثانیة قرینة على إرادة ما هو خلاف الظاهر من الاُولى، وتكون الأدلّة

 

النافیة للأحكام الأوّلیة حاكمة علیها وناظرة إلى نفی الأحكام الثابتة للموضوعات بعناوینها الأولیة وإن لم تكن ناظرة إلى أدلّتها ومفسّرة وشارحة لها، هذا.

وأمّا حال الأمارات المعتبرة مع مثل الاُصول العملیة، فقد یقال: إنّ مع قیام الأمارة لا یبقى مجال للاُصول، ولا یتحیّر العرف فی تقدیمها علیها وإن كان دلیل الأصل قطعیّ الصدور والدلالة ودلیل الأمارة ظنّی الصدور والدلالة. والله هو العالم بالصواب.

ثم إنّه لا یخفى علیك: أنّ ما یدخل فی باب التعادل والترجیح هو ما إذا كان الدلیلان ظنیّ الصدور وقطعیّ الدلالة والجهة، أو مظنون الدلالة فقط، أو مظنون الدلالة والجهة، ففی هذه الصور المرجع هو الأخبار العلاجیة. وهكذا إذا كان کلاهما قطعیّ الصدور وكانا قطعیاً من حیث الجهة مختلفاً فی ذلك، أو كانت الجهة فی أحدهما معلوماً دون الآخر، سواء أكان کلاهما قطعی الدلالة أو ظنیّ الدلالة. وإذا كانا قطعی الصدور والدلالة لا ترجیح لأحدهما على الآخر من جهة الصدور، فهو خارج من باب التعارض المصطلح، فإن أمكن الجمع بینهما عرفاً بحیث یخرجان به عن باب التعارض فهو، وإلّا فالحكم هو التخییر عقلاً.

 

 

([1]) الحجّتی البروجردی، الحاشیة على كفایة الاُصول، ج2، ص461.

([2]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص376. وتعریفه+ جامع ومانع بالنسبة إلى ما عرّفه الشیخ+ فی فرائد الاُصول (الأنصاری، ص431).

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: