جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

فصل

ذكر فی الكفایة([1]) أنّه استدلّ على تقیید أخبار التخییر، ووجوب الترجیح بوجوه اُخر:

منها: دعوى الإجماع([2]) على الأخذ بأقوى الدلیلین.

وفیه: أنّ دعوى الإجماع ـ مع مصیر مثل الكلینی إلى التخییر، وهو فی عهد الغیبة الصغرى، ویخالط النوّاب والسفراء، قال فی دیباجة الكافی: «ولا نجد شیئاً أوسع ولا أحوط من التخییر» ـ مجازفة.

أقول: لا صراحة بل ولا دلالة لكلام عروة الإسلام الكلینی على الحكم بالتخییر مطلقاً ولو مع وجود المرجّحات الّتی صرّح هو بها فی صدر کلامه. وكیف یحكم بذلك بعد التصریح بأمر الإمام× بعرض الحدیث على كتاب الله والأمر بترك ما وافق القوم والأخذ بالمجمع علیه؟! هذا مضافاً إلى أنّ الشیخ قد اختار تبعاً للمشهور الأخذ بالمرجّحات واستدلّ علیه بالإجماع المحقّق والسیرة القطعیة.

ومنها: أنّه لو لم یجب الأخذ بالمرجّح وترجیح ذی المزیّة على غیره، یلزم ترجیح المرجوح على الراجح القبیح عقلاً، بل ممتنع قطعاً.([3])

 

واُجیب عنه: بأنّه إن كان مراد المستدلّ لزوم ترجیح المرجوح على الراجح فی جعل الشارع، فیرد علیه أنّه یلزم ذلك إن كانت المزیة موجبة لتأكّد ملاك الحجّیة عنده بأن كان خبر الأعدل أغلب إیصالاً إلى الواقع من خبر العادل؛ وهو ممنوع، لاحتمال كون المزیّة المحتملة كونها موجبة للترجیح غیر موجبة له. هذا مضافاً إلى أنّ الإضراب من الحكم بالقبح إلى الامتناع فی غیر محلّه، فإنّ الترجیح بلا مرجّح فی الأفعال الاختیاریة الّتی منها الأحكام الشرعیة یكون قبیحاً، ولا یستحیل وقوعه إلّا من الحكیم تعالى، وإلّا فهو بمكان من الإمكان لكفایة كون إرادة المختار علّة لفعله، وما هو الممتنع وجود الممكن بلا علّة، فلا استحالة فی ترجیحه تعالى للمرجوح إلّا من باب امتناع صدوره منه تعالى، وأمّا غیره فلا استحالة فی ترجیحه لما هو المرجوح ممّا هو باختیاره.  وبالجملة: الترجیح بلا مرجّح بمعنى بلا علّة محال، وبمعنى بلا داعٍ عقلائی قبیح لیس بمحال، فلا تشتبه.

أقول: یمكن أن یقال: إنّ المسألة لیست من التعبّدیات الصرفة الّتی لا طریق لنا إلى درك وجهها وحكمتها، ولیس الملاك فی باب حجّیة الخبر غیر كونه طریقاً إلى الواقع، ولا ریب أنّ المرجّحات المذكورة توجب أقوائیة ذی المزیّة على غیره وكونه أرجح من الآخر عند العرف، فلا یصحّ للمولى أن یأمر بالأخذ بغیره، أو یخیّر عبده بالأخذ بأیّهما شاء إذا لم یكن هنا وجهٌ للتخییر ولو كان هو التسهیل على العبد.

وبالجملة: لیس فی المقام أمرٌ لزم ملاحظته إلّا الإیصال إلى الواقع، ولا ریب فی أنّ احتمال الوصول إلیه بالأخذ بذی المزیّة أقوى من غیره ویجب الأخذ به ولا یجوز الحكم بالتخییر معه. والله هو العالم.

 

 

 

 

([1]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص 395 - 396.

([2]) قال الشیخ+: «یمكن أن یستدلّ على المطلب بالإجماع المدّعى فی کلام جماعة على وجوب العمل بأقوى الدلیلین...». الأنصاری، فرائد الاُصول، ص496.

([3]) استدل به المحقّق القمّی+ فی قوانین الاُصول (ج2، ص278).

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: