جمعه: 31/فرو/1403 (الجمعة: 10/شوال/1445)

فصل

ثم إنّه على القول بالتخییر یجری الكلام فی مقامات:

الأوّل: لا إشكال فی تخییر المجتهد فی الأخذ بواحد من المتعارضین، وهذا هو التخییر فی المسألة الاُصولیة.

الثانی: لا یجوز له الإفتاء بالتخییر فی المسألة الفرعیة إذا كان مضمون الخبرین دائراً بین المحذورین كوجوب شیء وحرمته، وذلك لأنّ مفاد دلیل التخییر التخییر فی الأخذ بأحدهما وجعله حجّة للعمل بمضمونه، لا التخییر بین الفعل والترك. والإفتاء بالتخییر بینهما إفتاء بغیر ما أنزل الله ومخالف لما یستفاد منهما، وهو نفی الحكم الثالث مثل التخییر.

الثالث: لا یجوز فی مقام القضاء وفصل الخصومة الإفتاء بالتخییر فی المسألة الاُصولیة. وبعبارة اُخرى: لا یجوز للحاكم الحكم فی المسألة الاُصولیة، لأنّه لا یفصل به الخصومة، فعلیه أن یختار أحدهما ویفصل الخصومة بالحكم على طبق ما اختاره.

وأمّا فی غیر مقام القضاء ففی المسألة وجوه:

الأوّل: أنّه لیس له الإفتاء فی المسألة الاُصولیة بالتخییر، ویتعیّن علیه اختیار أحدهما والإفتاء بمدلوله للمقلّد.

الثانی: وجوب الإفتاء علیه بالتخییر فی المسألة الاُصولیة للمقلّد. وعلیه إن كان المجتهد والمقلّد مشتركین فی المسألة فللمقلّد أن یختار غیر ما اختاره مقلَّده المجتهد.

 

الثالث: أن یكون المجتهد بالخیار فی الإفتاء للمقلّد فی المسألة الاُصولیة، كما یجوز له الإفتاء فی المسألة الفرعیة.

وجه الأوّل: أنّ إفتاء المجتهد المقلّد بالتخییر فی المسألة الاُصولیة إفتاء بغیر ما هو وظیفة المقلّد، فإنّ علیه التقلید فی المسائل الفرعیة، وأمّا الاُصولیة فهی شأن المجتهد العارف بها.

ویمكن الجواب عن ذلك: بأنّه لِمَ لا یكون للمقلّد بعد انتهاء المجتهد إلى التخییر فی العمل بأیّ منهما شاء هذا الاختیار؟ وما الفرق بینهما فی ذلك؟ وبالجملة: التخییر وظیفة المتحیّر المواجه للمتعارضین، ولا فرق فیه بین المجتهد والمقلّد.

ووجه القول الثانی: أنّ حجّیة فتوى المجتهد للمقلّد موردها عجز المقلّد عن تعیین وظیفته واضطراره إلى المجتهد فیه، وفی المقام هو ومقلَّده المجتهد فی اختیار أحد الخبرین سواء.

وفیه: أنّ القدر المتیقّن من أخبار التخییر هو تخییر المکلّف العارف بتعارض المتعارضین دون من لا یعرف من ذلك شیئاً. نعم، یمكن أن یقال بالتخییر أی فی المسألة الفرعیة إذا كان المقلّد متجزّیاً عارفاً بالتعارض.

ووجه القول الثالث: أنّه یجوز له أن یخیّر المقلّد بالتخییر فی المسألة الاُصولیة، ویجوز له أن یخیّره بما اختاره منهما أنّه الحكم الشرعی.

وفیه: أنّ كون ما اختاره الحكم الشرعی للمقلّد أوّل الكلام.

اللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ جواز إفتائه بما اختاره فی عمل نفسه وعمل مقلّده مما لا کلام فیه، وإنّما الكلام فی جواز إفتائه له فی المسألة الاُصولیة.

ثم اعلم: أنّه على القول بالتخییر لابدّ من القول بكونه ابتدائیاً، فإنّه مع قطع النظر

 

عمّا قیل فی وجه كونه استمراریاً وما اُجیب عنه،([1]) یكون القول بكونه استمراریاً موجباً فی الظاهر اللعب بأمر الشرع وتوهینه عند العرف، فإنّه على القول به یجوز للمجتهد وللمقلّد فیما إذا دلّ أحدهما على وجوب فعل والآخر على حرمته، واتّفق مورده فی وقائع متعدّدة وأزمنة متعاقبة، اختیار ما دلّ على الوجوب فی واقعة، وما دلّ على الحرمة فی واقعة اُخرى، واختیار هذا فی الزمان الأوّل، والآخر فی الزمان الثانی، ویجوز للقاضی اختیار مفاده و الحكم على أحد الخصمین، واختیار غیره فی الحكم على الآخر فی قضیّتین متماثلتین، فمناسبة الحكم والموضوع واستظهار الحكم من الحكم بالتخییر تقتضی التخییر الابتدائی فی المسألة الاُصولیة مرّة واحدة، والبناء على أحد المتعارضین فی جمیع القضایا والمصادیق. والله هو العالم.

 

 

([1]) راجع: الأنصاری، فرائد الاُصول، ص440 - 441.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: