پنجشنبه: 6/ارد/1403 (الخميس: 16/شوال/1445)

الأوّل: فی تعریف الاجتهاد

إنّ تعریف الاجتهاد بأنّه استفراغ الفقیه الوسع فی تحصیل الظنّ بالحكم الـشرعی، مأخوذ من العامّة([1]). فإنّهم لمّا رأوا أنّ ما عندهم من النصوص عن النبیّ| لا تكفی فی بیان الشریعة والأحكام المبتلى بها الناس إلّا فی موارد هی الأقلّ من القلیل، وخالفوا ما أوصى النبیّ| الاُمّة بالتمسّك بالثقلین (الكتاب والعترة)، وتركوا الأحادیث المتواترة الناصّة على وجوب التمسّك بهما وأنّهما لن یفترقا حتى یردا علیه الحوض، وعلى أن لا یتقدّموا على العترة فیضلّوا، وأن لا یتأخروا عنهم فیهلكوا؛ لجأوا إلى الرجوع إلى غیرهم، واتّبعوا آراء الناس، فأخذوا عن مثل أبی هریرة فی دین الله تعالى، ولمّا رأوا أنّ ذلك أیضاً لا یكفی ما یبتلی به الناس فی أمر دینهم ودنیاهم فی أكثر أحكام العبادات من الصلاة والصوم والحجّ والجهاد وغیرها ممّا کلّ واحد منها مشتمل على آلاف من الفروع، وكذا فی أحكام المعاملات بأنواعها، وأحكام العائلة والنكاح والطلاق، وأحكام القضاء والحكومة والسیاسة والإدارة وغیرها ابتدعوا الاجتهاد بإعمال الرأی والقیاس والاستحسان

 

والاستقراء فی دین الله تعالى، فضلّوا وأضلّوا وهلكوا وأهلكوا.

وأمّا شیعة أهل البیت^ فبفضل تمسّكهم بالثقلین استغنوا عن هذا الاجتهاد وكفاهم ما عندهم ـ والحمد لله ـ من علوم ساداتهم الأبرار عترة النبیّ المختار صلوات الله علیهم أجمعین، ممّا رووا عنهم بأسنادهم الذهبیة عن رسول الله‏| فلا توجد واقعة أو قضیة أو موضوع أو فرع من فروع الأحكام ومسألة فی الحلال والحرام، وفی الاُصول والعقائد، ولا آیة من الكتاب تحتاج إلى التفسیر إلّا وقد بیّن ما یرجع إلیها فی أحادیثهم وروایاتهم. والحمد لله‏ الّذی هدانا لهذا وما كنا لنهتدی لولا أن هدانا الله.

وغورهم فی هذه الأحادیث ورجوعهم إلیها لمعرفة مدالیلها وخاصّها وعامّها ومطلقها ومقیّدها ومتواترها ومستفیضها وآحادها ومسندها ومرسلها وغیر هذه، کلّها اجتهاد فی فهم الحدیث واستحصال للحكم من النصوص، یستخرج بها الحجّة على الأحكام الشرعیة منها.

ولا یقاس هذا الاجتهاد بالاجتهاد المصطلح عند القوم الّذی هو منهیّ عنه، فلا یرد على علمائنا وفقهائنا القائمین بهذا الاجتهاد المقدّس اعتراض وإیراد فی هذا الاجتهاد، لأنّ هذا لا یكون إلّا ضرباً من الكلام والجدال فی اللفظ والاصطلاح.

وبالجملة: التعبیر عن الاجتهاد باستفراغ الوسع فی تحصیل الظنّ بالحكم الشـرعی، إذا كان المقصود منه الظنّ الحاصل بالاستنباطات الظنّیة من القیاس والاستقراء الظنّی والمصالح المرسلة، فهو مردود عند جمیع فقهائنا. وإذا كان المراد تحصیل الظنّ المعتبر بحكم الشارع مثل الظنّ الحاصل من خبر العادل الثابت حجّیته بالكتاب والسنّة والسیرة، فهو مقبول عند الكلّ یعمل به الجمیع سواء سمّی العامل به مجتهداً أو أخباریاً، فالأخباریّ مجتهد والمجتهد أخباری.

وإن شئت فعبّر عن الاجتهاد باستفراغ الفقیه وسعه فی تحصیل الحجّة على الحكم الشرعی.

 

فهل من یسمّونه أو سمّى نفسه بالأخباری لا یستفرغ وسعه فی تحصیل الحكم الشرعی؟ وهل عمل مثل الشیخ الجلیل صاحب الحدائق فی كتابه یكون غیر استفراغ الوسع لتحصیل الحكم الشرعی؟ إذن فما الوجه لتسمیة اختلاف أنظارهم فی حجّیة بعض الحجج واستنباطاتهم من الأدلّة  الّذی لیس بعزیز بین العلماء باختلاف الاُصولی والأخباری؟ وتسمیة العلماء بعضهم بالأوّل وبعضهم بالثانی؟

وبالجملة: إن كان بینهم بعض الاختلافات فی بعض الصغریات فلا یوجب ذلك تجزئة العلماء بالطائفتین الأخباریّین والاُصولیین.

وبعد ذلك کلّه؛ فإن كان فی من یسمّى بالأخباری من لا یقبل ذلك ویرید التباعد والتنازع، فلا نزاع لنا معه وندنو منه لا نتباعد عنه بل ننظر فی اجتهاداته فی الفقه بعین الاحترام كما ننظر فی اجتهاد غیره، وننظر فی الحدائق ـ مثلاً ـ كما ننظر فی الجواهر، ونقبل منهما ما هو الحقّ. ولا حول ولا قوّة إلّا بالله‏ العلی العظیم.

 

([1]) راجع: الإیجی، شرح مختصر الاُصول، ص460، الكلام فی الاجتهاد.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: