چهارشنبه: 5/ارد/1403 (الأربعاء: 15/شوال/1445)

المقدّمة
فی الإیمان ومراتبه

 

إنّ الاعتقاد بالمبدأ والمعاد والنبوّة والإمامة، یُعدُّ من موجبات السعادة واطمئنان القلب ورفع الاضطراب الروحی، وإحیاء الأمل والتفاؤل بالحیاة، والسیر نحو الفلاح والفوز.

ولا نبالغ إذا ما قلنا: إنّه لا توجد طلبات أدعى للسعادة والراحة من هذه الطلبات الثلاث الّتی ذكرت فی هذا الدعاء:

«اللّهُمَّ إِنِّی أَسْأَلُكَ إیمَاناً تُبَاشِرُ بِهِ قَلْبی، وَیَقیناً صَادِقاً حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّهُ لَنْ یُصیبَنی إِلّا مَا كَتَبْتَ لِی، وَرَضِّنی مِنَ الْعَیشِ بِمَا قَسَمْتَ لیِ».([1])

الحاجة الاُولی: الإیمان الّذی یجعله الله‏ تعالى مستولیاً على قلب الإنسان
ومحیطاً به.

 

الحاجة الثانیة: الیقین الصادق، وهو أن یعتقد الإنسان أن لن یصیبه إلّا ما كتب الله‏ له.

الحاجة الثالثة: الرضا بالرزق المقسوم والعیش المقرّر من قبل الحقّ جلَّ وعلا.

إنّ الإیمان والیقین والرضا، من الحالات والمقامات الّتی لها درجات ومراتب متفاوتة بین البشر، ففی الوقت الّذی یصحّ إطلاق الإیمان والیقین والرضا على کلّ مرتبة منها، لكنَّ أفرادها متفاوتة كتفاوت مراتب وأفراد النور، وقد تصل الفاصلة بین مرتبة واُخری إلی درجة بحیث لو کان بالإمكان تطبیق مقیاس سرعة الضوء علیها، لأشرنا إلیها بذلك المقیاس.

فكما نعلم أنّ نور الشمس نورٌ، ونور المصباح نور، ونور السراج نور، ونور الشمعة نور أیضاً، ولكنّها متفاوتة الشدَّة والدرجة، فكذلك الإیمان الّذی عُبِّرَ عنه فی القرآن الكریم بالنور، كما فی تفسیر الآیة الشـریفة: ﴿رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا﴾؛([2])

والآیة الشـریفة: ﴿یَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِنَاتِ یَسْعَى نُورُهُمْ بَیْنَ أَیْدِیهِمْ﴾.([3])

 

ولذا فإنّ إیمان النبیّ الأكرم| إیمان ونورٌ مكَّنهُ من القیام بأكبر وأثقل وظیفةٍ اُوکِلَت إلی أحدٍ من الخلیقة من قِبَل الله‏ تعالى، حیث قام بمهمّته على أفضل وجه ممكن متحدّیاً الدنیا بأسرها ومغیِّراً الكفر والعادات الباطلة، والشـرك إلى التوحید والصلاح.

وكذلك إیمان أمیر المؤمنین× نورٌ وإیمان وصل إلی مرتبة قال عنه علیّ×: «لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ مَا ازْدَدْتُ یَقیناً».([4])

وقال×: «لَوْ أُعْطیتُ الْأَقَالیمَ السَّبعَةَ بِمَا تَحـْتَ أَفْلَاكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِـیَ اللهَ‏ فِی نَمْلةٍ أَسْلُبُها جُلْبَ شَعیرةٍ مَا فَعَلْتُهُ».([5])

وهكذا سائر الأئمّة المعصومین والأنبیاء العظام^ کانوا مظاهرَ لقوّة الإیمان ومراتبه الكاملة، الّتی تعدُّ دروساً نافعة ومثبتةً لإیمان الناس.

والحاصل: أنّ إیمان خواصِّ الأصحاب والشخصیات الإسلامیة الّذی تجلّی فی عملهم وإیثارهم وفدائهم فی الغزوات مثل بدرٍ واُحدٍ والخندق والجمل وصفّین والنهروان ویوم عاشوراء قد ارتفع بهم إلی

 

أعلى مراتب تجلّیات الإیمان، وکان نوراً.

إنّ إیمان حمزة بن عبد المطّلب وجعفر الطیّار وأبی الفضل العبّاس وسلمان والمقداد وعمّار وحبیب بن مظاهر وزهیر ورشید ومیثم، والمئات بل الآلاف من المؤمنین الّذین خرجوا من بوتقة الامتحان خالصین من الغشّ وإن لم یكونوا فی درجة واحدة من الإیمان، لكنَّ ما قام به کلّ واحدٍ منهم کان تجلّیاً من تجلّیات عظمة إیمانهم وقوّة عقیدتهم وحاكیاً عن اطمئنانهم وعدم اضطراب قلوبهم.

وإیمان الأشخاص الآخرین إیمان أیضاً، لكن درجة التفاوت بین إیمانهم وإیمان اُولئك الخُلَّص، یصعب قیاسها وتقدیرها.

فکلّ هؤلاء وبحسب درجات إیمانهم، یتمتّعون بالاستقرار وسكون الباطن وراحة البال والتسلیم والرضا والتوکّل على الله‏ والثقة بالنفس، لیتّصلوا إلى المرتبة العالیة، فلا یفرحوا بما یصلهم، ولا ییأسوا على ما یفوتهم من الدنیا، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿لِكَیْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾،([6]) ویصلوا إلى حیث لا یخافون إلّا الله‏: «حَدُّ الْیَقِینِ أَلَّا تَخَافَ مَعَ الله شَیْئاً».([7])

 

والحاصل: أنّ للتوکلّ والتسلیم والرضا والتفویض إلی الله‏ ـ وکلّها من مقامات السعداء ـ مراتب یحوزها بعض الناس بمقدار قوّة درجات إیمانهم وخلوص عقیدتهم عن الشـرك والخرافات والانحرافات الاُخری.

وعلى هذا، لیس ثمَّة وسیلة لنیل الإنسان السعادة الواقعیة، أعلى من الإیمان الصحیح والیقین الخالص، فإنّه یدفع کلّ اضطرابٍ وخوفٍ من زوال النعم، ویرفع کلّ اضطراب وتوجّس من إبهام المستقبل.

﴿اَلَّذِینَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّٰهِ‏ ألَا بِذِكْرِ اللّٰهِ‏ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾.([8])

فطالب السعادة علیه أن یسعى جاهداً للإیمان بحقائق مفاهیم هذه الجمل النورانیة:

﴿ حَسْبُنَا اللّٰهُ‏  ونِعْمَ  الْوَكِیلُ﴾.([9])

﴿مَا شَاءَ اللّٰهُ‏  لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللّٰهِ‏.([10])

 

﴿وَأُفَوِّضُ أَمْری إِلَى  اللّٰهِ‏ إِنَّ اللّٰهَ‏ََ بَصیرٌ بِالْعِبَادِ.([11])

﴿ومَنْ یَتَوَكَّلْ‏ْْ عَلَى اللّٰهِ فَهُوَ حَسْبُهُ.([12])

﴿حَسْبِیَ اللّٰهُ.([13])

﴿ إِنَّا للِّٰهِ وَإِنَّا  إِلَیْهِ‏ِ رَاجِعُونَ﴾.([14])

لینجو من ظلمات الحیرة والتردید.

 

 

 

 

 

([1]) ورد فی أدعیة عدَّة، منها، دُعاء أبی حمزة الثمالی.

([2]) التحریم، 8.

([3]) الحدید، 12.

([4]) ابن شاذان القمّی، الفضائل، ص137؛ الآمدی، غرر الحكم، الفصل 75، ح1، ص566؛ اللیثی الواسطی، عیون الحکم والمواعظ، ص415؛ المجلسـی، بحار الأنوار، ج46، ص135.

([5]) نهج البلاغة، الخطبة 224 (ج2، ص218)؛ ابن أبی الحدید، شرح نهج البلاغة، ج7، ص253؛ ج10، ص142، ج11، ص202؛ المجلسی، بحار الأنوار، ج41، ص162.

([6]) الحدید، 23.

([7]) الکلینی، الکافی، ج2، ص57؛ السیّد المرتضی، الشافی فی الإمامة، ج1، ص429؛Z [الطبرسی، مشکاة الأنوار، ص45؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، ج15، ص202؛ المجلسـی، بحار الأنوار، ج67، ص142 ـ 143، 180.

([8]) الرعد، 28.

([9]) آل عمران، 173.

([10]) الکهف، 39.

([11]) غافر، 44.

([12]) طلاق، 3.

([13]) التوبة، 129؛ الزمر، 38.

([14]) البقرة، 156.

نويسنده: 
کليد واژه: