جمعه: 1403/01/10
نسخة للطباعةSend by email
هو الصّراط المستقیم (مقالة من سماحة المرجع الدینی آیة الله العظمی الصافی الکلبایکانی مدظله الوارف بمناسبة مولد أمیرالمؤمنین علی‌بن أبی‌طالب علیه‌السّلام)
هو الصّراط المستقیم (مقالة بمناسبة مولد أمیرالمؤمنین علی‌بن أبی‌طالب علیه‌السّلام)

بسم الله الرحمن الرحیم

وماذا یقول الناس فی مدح من أتت *** مدائحه الغراء فی محكم الذكر
لا یخفى: أنّ سكوت الفصحاء والبلغاء، والعلماء والحكماء، والعرفاء والأولیاء أمام مناقب الإمام أمیر المؤمنین(علیه السلام) أخ الرسول وزوج البتول، أعلم الناس وأعرفهم بالله وأعبدهم له بعد رسول الله(صلى الله علیه وآله)، أبلغ من أن یمدحوه بما وصلوا إلیه من معرفة  فضائله، ومراتبه الرفیعة، ومقاماته العلیة، ومشاهده الجلیة الجلیلة، ومعجزاته الظاهرة الباهرة، وعجائب أمره.
  فالاعتراف بالعجز فی حظیرة قدسه ومشهد عظمته أولى لكل أحد، وهو كما خاطبه النبیّ(صلى الله علیه وآله) فی حقّه حقّاً: «لو أنّ الإنس كتّاب والجن حسّاب ما أحصوا فضائلك»، وهو الذی جعل الله له فضائل لا یحصى عددها غیره والذی خاطب الله تعالى نبیّه لیلة المعراج بلغته.
  وقال بعض أصحاب النبی(صلى الله علیه وآله) فیه: لقد كان لعلی من السوابق ما لو أنّ سابقة منها بین الخلائق لوسعتهم خیراً(1)
  ولقد كان ـ علیه أفضل الصلاة والسلام ـ أعظم آیة الله تعالى ولعلمه وقدرته وسائر صفاته العلیا. ولیس له بدیل ولا شبیه یعادله فی عالم الإمكان إلاّ ابن عمه رسول الله(صلى الله علیه وآله) الذی كان له(صلى الله علیه وآله) ظهیر بلا نظیر.
  ولقد كان عظیماً فی بطولاته وتضحیاته، عظیماً فی نصرة الحق وإقامة العدل، عظیماً فی إعلاء كلمة الله، عظیماً فی رحمته للضعفاء ومواساته للفقراء، عظیماً فی خوفه من الله تعالى، وفی فصاحته وبلاغته، ومأكله وملبسه ومشربه، وفی كل أحواله وأفعاله.
  فتعالى الله العلیّ العظیم خالق هذا الإنسان ومودع هذه العظمات والكمالات فیه، وتبارك الله المتصاغر لعظمته هذا الإنسان والمتذلل لجلاله وجبروته وسلطانه، والخائف من كبریائه، والمعترف عنده بعجزه وفقره إلیه، وهو الذی قال: إلهی كفى لی عزّاً أن أكون لك عبداً، وكفى لی فخراً أن تكون لی ربّاً.
  فهو الممسوس فی ذات الله، والبكّاء من خشیة الله، والمجاهد فی سبیل الله، وهو الصراط المستقیم، والعروة الوثقى وحبل الله المتین، ومیزان الأعمال، وقسیم الجنة والنار، ویدالله الباسطة، وعینه الناظرة، وحجته البالغة.
  ویعجبنی هنا نقل كلام الشارح المعتزلی، إذا قال فی
شرح قوله(علیه السلام) فی كتاب له إلى معاویة «فإنّا صنائع ربّنا والناس
بعدُ صنائع لنا»(2):
  «هذا كلام عظیم عال على الكلام، ومعناه عال على المعانی. وصنیعةُ الملِك من یصطنِعُه الملك ویرفع قدره. یقول: لیس لأحد من البشر علینا نعمة، بل الله تعالى هو الذی أنعم علینا، فلیس بیننا وبینه واسطة، والناس بأسرهم صنائعنا، فنحن الواسطة بینهم وبین الله تعالى، وهذا مقام جلیل ظاهره ما سمعت، وباطنه أنّهم عبیدالله، وأنّ الناس عبیدهم»(3) انتهى.
  ونرى من جانب آخر صاحب هذه المفاخر العظیمة یتململ من خوفه تعالى كتململ السلیم، وكان كما وصفه بعض أصحابه غزیر الدمعة طویل الفكرة، یحاسب نفسه إذا خلى، ویقلب كفیه على ما مضى ویبكی ویقول: آه من قلة الزاد وبعد السفر وقلة الأنیس، ما لعلیّ ونعیم یفنى ولذة لا تبقى. ویقول: ألا وإنّ إمامَكم قد اكتفى من دنیاه بطمرَیْه، ومن طُعْمِه بِقُرصَیه... فوالله ما كنزْتُ من دنیاكم تِبْراً ولا ادَّخرت من غَنائمها وَفْراً ولا أعددتُ لِبالی ثَوْبی طِمْراً(4).
  فماذا نقول عن نفس الرسول الذی قال(صلى الله علیه وآله) فی حقه: إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلاّ أنّك لست بنبیّ. فما نحن والكلام عن أمیر المؤمنین ومولى الموحدین(علیه السلام) إلاّ كالقطرة فی جنب البحر والذرة فی جنب الشمس، فعقول العالمین ولسان المادحین أقصر من أن ینال حق هذا الإمام(علیه السلام) و الحمدلله الذی جعلنا من المتمسّکین بولایة مولانا یعسوب المؤمنین علی‌بن أبی‌طالب علیه‌السّلام.
و أختم مقالتی هذه بمسك الصلوات على محمّد وآله بالأبیات التالیة:
یا ربّ صل على النبیّ وآله *** أزكى الصلاة وخیرها والأطیبا
یا ربّ صل على النبیّ وآله ***  ما اهتزت الأثلاث من نفس الصبا
یا ربّ صل على النبیّ وآله ***  ما لاح برق فی الأباطح أوخبا
یا ربّ صل على النبیّ وآله ***  ما قال ذو كرم لضیف مرحبا
یا ربّ صل على النبیّ وآله ***  ما أمت الزوار طیبة یثربا
یا ربّ صل على النبیّ وآله ***  ما غردت فی الإیك ساجعة الربا
یا ربّ صل على النبیّ وآله ***  ما كوكب فی الجو قابل كوكبا
یا ربّ صل على النبیّ وآله ***  سفن النجاة الغر أصحاب العبا
یا ربّ صل على النبیّ وآله ***  فی الحشر إذ یتساءلون عن النبا(5)

المصادر:
1. اسد الغابة 4: 23.
2. نهج البلاغة، كتاب 28.
3. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 15: 194.
4. نهج البلاغة، كتاب 45.
5. رشفة الصادی فی بحر فضائل بنی النبیّ الهادی، لأبكر الحضرمی، ص 75.

الخميس / 21 أبريل / 2016