پنجشنبه: 1403/01/9
نسخة للطباعةSend by email
من كلام للمرجع الديني الكبير الحاج الشيخ الصافي الكلبايكاني دام ظله بمناسبة ذكرى شهادة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام
من کلام للمرجع الدینی بمناسبة ذکری شهادة فاطمه الزهراء‌ علیها السلام

ما عسى أن یقول المتكلم فی بیان فضل أهل البیت علیهم السلام وعظمتهم، و خصوصا الصدیقة الزهراء علیها السلام، إنه حقا مقام یعجز فیه المتحدث ولا یدری كیف یفتتح فیه حدیثه؟!

علینا أن ندرك حقا أن كل ما لدینا فهو من أهل البیت علیهم السلام، ولیس لأحد غیرهم أهلیة الأخذ عنه، ومن یرجع إلى غیرهم ویعتمد على أقوال غیرهم فلا عذر له و لا حجة لعمله؛ و ذلك لأنه قد قال النبی صلى الله علیه واله: «إنی تارك فیكم الثقلین كتاب الله وعترتی أهل بیتی» و معنى الحدیث: خذوا من أهل بیتی و ارجعوا الیهم فی كل شیء، ولا تأخذوا من غیرهم.

و قال رسول الله صلى الله علیه واله فیهم علیهم السلام أیضا: « لا تسبقوهم فتضلوا ، و لا تخالفوهم فتجهلوا، و لا تتخلفوا عنهم فتهلكوا».

محوریة فاطمة الزهراء علیها السلام وعظمتها الخاصة
 إن للصدیقة الطاهرة فاطمة الزهراء علیها السلام منزلة و محوریة و عظمة خاصة من بین أهل البیت علیهم السلام، تلك العظمة التی جعلت جمیع الأئمة علیهم السلام یعتزّون بوجودها و یفتخرون بها.
إن وجود الزهراء المقدس حجة على جمیع أهل البیت علیهم السلام؛ بمعنى أنهم یحتجّون بها لإثبات حقّانیتهم و بطلان عمل الغاصبین و الظلمة. جمیع أهل البیت حجج لكن السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام أكبر حجیة فی هذه الجهات من الجمیع.
فاطمة الزهراء علیها السلام سیدة نساء العالمین، وبضعة الرسول وقرینة وصیّه ولی الله، إنها السیدة التی خصّها الله تعالى بفضل المشاركة فی حادثة المباهلة بنص القرآن الكریم. و هی المرأة الوحیدة من أهل البیت علیهم السلام التی نالت مقام العصمة والطهارة كما نالها أبوها و  زوجها و بنوها.
 

نسخة طبق الأصل

لقد كانت الزهراء علیها السلام نسخة من النبی صلى الله علیه و آله فی جمیع شؤونها و علمها و كمالاتها، و كانت سیرتها ـ مثل جمیع الأئمة علیهم السلام من أبنائها ـ تجسیداً للقرآن الكریم والشرع المبین و بیاناً للأحكام الالهیة.

لقد وصلت إلى منزلة الامامة بمعنى مرتبة العلم والهدایة، و هی سیدة الاسلام الأولى التی أضحت القدوة والمصداق الأوحد فی العفاف والعصمة والستر و الكرامة.

الخطبة الفدكیة؛ معجزة فاطمیة

 لقد مثّلت الخطبة الإرتجالیة التی صدرت من السیدة الزهراء إحدى معجزاتها علیها السلام. فقد خطبت فی ذلك الظرف العصیب؛ ظرف الانقلاب الكبیر للأمة، مع عظم المصیبة الكبرى التی أصابتها؛ مصیبة فقدان النبی صلى الله علیه و آله و ما قارنتها من المصائب الأخرى..أجل خطبت بما لا مثیل له من قمة البلاغة والفصاحة، ما لم یتح فی تلك الظروف لإمام البلاغة والفصاحة أمیر المؤمنین علیه السلام أن یورد مثل هذه الخطبة الصاعقة الجامعة والخالدة.

لم تمنع تلك المرحلة التاریخیة العصیبة والتآمر الكبیر على هضم الزهراء علیها السلام من أن تخطب فی الأمة بعظمة ماثلت عظمة رسول الله صلى الله علیه و آله و كأنه هو من حضر  یخطب فیهم، ما دعا الكثیر من الحضور إلى التفجع والبكاء و هو یسمع تلك الحقائق التی أوردتها فی خطبتها.

على كل حال، لقد اشتملت هذه الخطبة عل مضامین عالیة جدا، وهی بحق من معاجز أهل البیت علیهم السلام، ولذا نقلت فی مثل كتاب بلاغات النساء المنظوم فی القرن الثانی الهجری.

لا شك فی أن فضائل الصدیقة الكبرى فاطمة الزهراء علیها السلام كثیرة وعظیمة جدا، إلا أن من أبرزها ما جاء على لسان النبی صلى الله علیه و آله وهو على فراش الوفاة؛ فمما قاله لها وهو یسلّیها ویخفف على قلبها عظم مصابها بفقده: «أبشری یا فاطمة، المهدی منك»؛ فمن الأهمیة بمكان أن یتصدّى سید الخلق بهذا النحو من التسلیة والتخفیف على فاطمة و التهوین علیها لوقع المصیبة بفقده،  ولكی تتحمل عزیزته وابنته الوحیدة المصائب و المحن المریرة التی سوف تواجهها من بعده. یقول لها وهو یسلّیها ویخفف علیها: أبشری یا فاطمة، المهدی منك، یعنی الكل منك ولأجلك، و أن مسیرة الانسانیة إنما هی بإتجاهك یا فاطمة، و غلبة الحق على الباطل والنور على الظلمة إنما هو لأجلك. على كل حال، الحدیث حول عظمة السیدة الزهراء علیها السلام طویل جدا.

ینبغی أن تحتل مسألة تعظیم الأیام الفاطمیة صدر إهتمامات الجمیع، و أن تتضمن البرامج والخطب والحوارات المختلفة والتصنیفات و الكتابات تبیین مواقف فاطمة، وسیرة فاطمة، و زهد فاطمة، و عبادة فاطمة، و علم و حكمة فاطمة. یجب أن یحتل ذلك الأولویة فی مختلف الفرص المناسبة المتاحة.

یجب إظهار ما جرى علیها من المصائب للجمیع؛ فإنه أمر بالغ الوضوح و بدرجة من المصداقیة والثبوت حتى أن مثل كتاب النهایة لابن الأثیر و هو كتاب لغوی لم یستطع المرور على حادثة مصیبة وفاة النبی صلى الله علیه و آله دون أن یشیر الى مصائب الزهراء علیها السلام.

یجب بیان الحوادث و الحقائق التاریخیة للناس، و نشر كلمات الزهراء علیها السلام وخصوصا خطبتها العظیمة البلیغة التی تعد من أبلغ معاجزها علیها السلام، و لابد من اسماعها للعالم أجمع.

كما یجب أن یطلع الناس فی أیام إحیاء ذكرى شهادة الزهراء علیها السلام على شخصیة الزهراء علیها السلام ومنزلتها الكبیرة و تعظیمها و على الناس أن یثبتوا ولاءهم وحبّهم لسیدة الاسلام الأولى وابنة النبی (ص) الوحیدة.

ما أحوجنا الیوم الى هدی هذه السیدة العظیمة وسیرتها، المجتمع الیوم بحاجة الى السیر على نهجها فی ادارة الأسرة، وسیرتها المثلى فی تعاملها مع زوجها وتربیة أبنائها.

على النساء بل والرجال ایضا أن ینتهلون من معین كلماتها، و یجعلونه منهجا لهم فی حیاتهم.

ومن تلك الكلمات التی حرصت الزهراء ع فیها على بیان أهمیة المرأة وكرامتها ومكانتها الحقیقیة اذ قالت: « خیر للمرأة أن لا ترى رجلا و لا یرها الرجل».

هذا ما حفظ الزهراء علیها السلام فی القلوب إلى الآن و إلى قیام الساعة، وجعلها حیّة فی ضمائر ذوی البصیرة و طالبی الحق.

" الفاطمیة" صرخة بوجه الظالمین

الفاطمیة تاریخ، الفاطمیة یعنی الصرخة بوجه الظالمین، الفاطمیة یعنی الجهاد حتى تحقیق النصر على الباطل، و فی النهایة الفاطمیة یعنی یوم تحقیق الدولة العالمیة الالهیة للامام المهدی (عج).

أجل، الفاطمیة یوم عاشوراء، الفاطمیة لیلة القدر،  الفاطمیة یوم الغدیر والنصف من شعبان، و یوم انتصار النور على الظلمة.

یجب الترویج ـ على ضوء بیان فضائل الصدیقة الكبرى علیها السلام ـ لجمیع المجالات والأبعاد الدینیة، ولولایة الائمة الطاهرین علیهم السلام،  والدعوة للاسلام والقرآن و معارف مدرسة أهل البیت علیهم السلام. و  مجموع الرسالة الاسلامیة.

مدرسة أهل البیت مدرسة المعرفة، ومدرسة العلم والصحوة، و مدرسة الوعی و البصیرة، و مدرسة العدالة والتكامل الانسانی، و مدرسة الفكر المتنور، علینا احیاء هذه المبادئ القیمة فی مثل هذه المناسبات و الفرص الثمینة . علینا اغتنام هذه المجالس النورانیة الفاطمیة، وكمال التزود من بركاتها. وعلینا أن نجعل فی صدر مسؤولیاتنا و واجباتنا الدعاء والتضرع الى الله تعالى بتعجیل فرج عزیز فاطمة الزهراء علیها السلام ولدها الامام المهدی عجل الله فرجه الشریف.  

 

 

 

 

 

 

 

 

الأربعاء / 6 فبراير / 2019