پنجشنبه: 1403/01/9
نسخة للطباعةSend by email
قراءة في كتب المرجع الصافي في باب التقريب بين المسلمين/ق 1

 

 

آیة الله العظمى الشیخ لطف الله الصافی دام ظله رائد الاصلاح بین المسلمین فی العصر الحدیث

/ قراءة فی كتب المرجع الصافی فی باب التقریب بین المسلمین/

القسم الأول : كتاب  " صوت الحق و دعوة الصدق"

 

 

 

من الكتب القیمة التی جادت بها أنامل المرجع الدینی الكبیر آیة الله الصافی الگلبایگانی دام ظله هو كتاب " صوت الحق و دعوة الصدق" الذی ناقش فیه سماحته مسألة التقریب بین المسلمین و أهمیة الصحوة الاسلامیة بینهم،  لیتمكنوا من الوقوف فی صف واحد فی مواجهة العدو الواحد .و  صدّالأخطار و التهدیدات المشتركة بینهم ، تلك الأخطار التی تهدد كیانهم و دینهم الواحد ، و تلك التی تعصف بأفكار شبابهم سنة وشیعة بموجات الالحاد و الدعوة الى التحلل بذرائع الحریة و الحداثة و العلم . و قد تمكن سماحته من رصد هذه الاخطار و تعریف الأمة الاسلامیة جمعاء بها ، مخاطبا عموم المسلمین و علماء الأمة فی مختلف بلدانهم و انتماءاتهم المذهبیة بكلمات الصدق و الاخلاص ؛ لیدعوعم إلى الحق الواحد بكلام الاسلام الاصیل الخالص، أن یراعوا الانصاف و یتّبعوا منهج المصداقیة والموضوعیة العلمیة . فأجاد  حقّاُ فیما أفاد ، و دعا صادقا و مخلصا لله تعالى مدافعا عن شریعة المصطفى صلى الله علیه و آله مبتغیا صلاح الأمة و إصلاحها مستنیرا بنور الهداة المیامین من أل البیت علیهم السلام أمان الأمة من الضلال و الفرقة والفشل، و حبل الله الذی أمر تعالى الأمة جمیعا بالاعتصام به.

و إلیك أیها القارئ العزیز نماذج من كلمات المرجع الصافی دام ظله فی الكتاب المذكور الذی و إن كتبه فی سبعینیات القرن المیلادی الماضی إلا أن فیه الخلاص من محن المسلمین الراهنة:

مخاطر و تهدیدات تواجه المسلمین جمیعا

إن من أعظم الأخطار على وحدة المسلمین، وتعاونهم ضد عدوانهم المشرك إقدام بعض المستهترین الأغبیاء الذین لا یقدّرون عواقب ما یفعلون على ما یؤدّی إلى انشغال أبناء الأمة الإسلامیة الواحدة بصراعات كلامیة لا تبتنى على أساس سلیم قد یؤدّی فی حالة عدم وضع حدّ لعبثهم إلى تعمیق جذور التباغض، والتمزق، والإنهیار المخیف الذی تعانی منه أمتنا الیوم شرّ معاناة.

ومن ثم فإنهم یكونون قد ساهموا مساهمة مخلصة فی تحقیق أغراض الإستعمار، والصهیونیة من تكریس التفرقة، والنزاع الداخلی لیحولوا بین المسلمین وبین الوحدة ، لعلمهم بأنها الكفیلة- لوتحققت- بإزالة نفوذهما عن البلاد الإسلامیة وسیطرتهما علیها.

ففی كل فترة من الزمن یطلع على الأمّة واحد من امثال هؤلاء الجهلاء- یدافع عن عصبیتهم المذهبیة الممقوتة ضد مذهب أو آخر من مذاهب المسلمین- بأكاذیب ملفقة، وأراجیف مزیفة قد بان الحقد الأعمى من خلال أسطرها، والجهل بحقیقة الإسلام، وبحقیقة المذهب الذی یفتری على قدسیته من مطاوی مواضعها یحبّر بها أوراقاً قد أطلق علیها إسم : رسالة ، أو كتاب. وهی فی مضمونها أبعد ما تكون عن مدلول هذین اللفظین ، بل أول ما تدل علیه هو فراغ واضعیها من العلم والفضل، والأدب لأنهم سدّوا على أنفسهم أبواب التعمق والتحقیق ، خصوصاّ فیما یتعلق بالمذاهب الإسلامیة من مصادرها الأساسیة لذلك تراهم- ویا للعار- یخبطون فی أبحاثهم خبط عشواء ؛ فیرمون غیرهم بالكفر أحیاناً، وبالفسق أحیانا، مستندین إلى كلام أخذوه عن هذا ، و رأی نسبوه إلى ذاك ، أو قول سمعوه من ذلك من الناس ، كأنما عند هؤلاء علم الأولین والآخرین ، أو انهم معصومون عن الخطاء والكذب، والإفتراء. وهناك من الأقوال ما یتركون بعضاً منه وینقلون بعضاً ، لغرض فی نفوسهم مما یجعل الإنسان الذی یدفع به سوء الطالع لقراءة تضلیلاتهم یسائل نفسه :إذا كان الحق هو غرض هؤلاء، والحقیقة غایتهم، فَلِمَ یفعلون ذلك؟، ولِمَ لا یحققون فی صحة ما یسمعون، وما یقولون؟ ولم لا یرجعون إلى مصادر المذهب الذی یكتبون عنه؟ حین ینتهی بحثهم إلى ما یریده الباحثون المنصفون .. ولكن هؤلاء لیست لهم من غایة إلا تشدید العداء، وإضعاف الصداقة. لذا تراهم یأتون بالغث لا السمین أو یلبسون الحق بالباطل، ویكتمون الحق وهم یعلمون.

 

بسم الله الرحمن الرحیم‏

إلى أساتذة الجامعة الإسلامیة فی المدینة المنورة المحترمین.

إلى علماء باكستان لا سیما مدینة لاهور.

إلى قادة الفكر ودعاة التقریب بین المذاهب الإسلامیة والذین على جهادهم المخلص یتوقف مستقبل الإسلام الأزهر.

إلى كل من یؤمن بالله تعالى، وبحكمته العادلة.

وبعد فإنه قد نشرت فی السنوات الأخیرة رسالة أسماها مؤلفها : (الخطوط العریضة فی الأسس التی قام علیها مذهب الشیعة الامامیة) ، وملأها بالأكاذیب العجیبة التی یعرف كذبها كل من له أدنى بصیرة بالمذاهب الإسلامیة . وتحت هذا الستار سعى فی هدم الأسس التی قام علیها دین الاسلام الحنیف حتى جعل كتاب الله تعالى القرآن المجید هدفاً لسهامه، وبالغ فی الدعوة إلى التخاصم، والتنازع، والتفرقة المنهی عنها، وتهییج العصبیات الطائفیة.

ثم إنی لما قرأتها أدركت خطرها على الإسلام، وعلى كتاب الله الكریم ووجدتها أمنیّة دعاة التبشیر، والإلحاد، وكل من یكمن للقرآن والإسلام وحرماته من المستشرقین، وغیرهم یتخذونها سنداً لأضالیلهم وإضلالاتهم.

ومن جانب آخر تؤدّی إلى تفرقة الأمّة، وبث روح التنافر، والتشاجر، وإیقاد نار الشحناء والبغضاء.

فرأیت أن من الواجب على كل كاتب اسلامی دفع ما فی هذه الرسالة من الشبهات سیما حول الكتاب الكریم الذی اتفقت كلمة المسلمین من الشیعة والسنة ، بل وغیرهم . على أنّه هو هذا الكتاب الموجود بین الدفتین المطبوع المنتشر فی أقطار الأرض، وأنّه لا ریب فیه، ولا یأتیه الباطل من بین یدیه تنزیل من حكیم حمید.

فكتبت كتاب : (مع الخطیب فی خطوطه العریضة)، وأثبت فیه صیانة الكتاب المجید من التحریف، وأوضحت ما فی هذه الرسالة من الضلالات والجهالات.

فأثر بحمد الله تعالى ومنّه فی قلوب المسلمین، والأوساط الثقافیة أثراً إیجابیاً، ووقع عند العلماء، والمصلحین، ورجالات الإسلام، وأساتذة الجامعات، والباحثین المنصفین موقع القبول، والشكر، والتقدیر، ولذلك طبع مرّات عدیدة.

والله تعالى یعلم أنه ما دعانی إلى كتابة هذا الكتاب إلّا خدمة الإسلام والقرآن المجید، والدفاع عن كرامته والسعی لجمع الكلمة. ولم الشعث، والتحابب، والتوادد بین الأمّة.

وما كنت أظن بعد ذلك أن كاتباً یزعم أنه یكتب للإسلام، ولمصلحة امّته یتخذ قبال هذا الكتاب وما دافعنا به عن قداسة القرآن الكریم، وصیانة من التحریف. والدعوة إلى الوحدة الإسلامیة یقف موقفاً سلبیاً یكرر ما فی : (الخطوط العریضة). ویقفو أثر مؤلفها لیعطی المبشرین، واعداء الإسلام. ودعاة التفرقة. والتمزیق بالزور والبهتان سلاحاً انتزعناه عنهم فی : (مع الخطیب فی خطوطه العریضة).

حتى جاءنا بعض الإخوان بعد رجوعه من العمرة وتشرفه بزیارة الحرمین الشریفین بكتاب:  (الشیعة والسنة) وذكر بأن نائب جامعة المدینة المنورة الإسلامیة قد أهداه إلیه مع كتاب : (العواصم من القواصم) الذی كان قد شرحه محب الدین الخطیب شرحاً أظهر فیه نصبه وعداوته للعترة النبویة، وولاءه لأعدائها، وأنكر فیه الحقائق التارخیة المعلومة ظلماً وعدواناً.

فقرأته، وعجبت من سعی كاتبه فی تفریق كلمة المسلمین، ولعمر الحق ما كان یخطر ببالی أنّ أحداً من المسلمین یجعل مهمته الإحتفاظ باختلاف الكلمة، والتباعد، وتشدید المجادلات الطائفیة، ویعارض دعوة المصلحین من الزعماء والرؤساء والعلماء إلى التقریب إلى الوحدة الإسلامیة، ویخطئهم جمیعاً، ویتبع غیر سبیل المؤمنین، ویرد فی هذه النداءات، والصیحات التی رفعت من العلماء والرجال البارزین الغیارى على الإسلام من الشیعة والسنة فی شرق الأرض وغربها ویتهم الجمیع بالجهل والكذب، والنفاق والخداع.

وأعجب من ذلك وأعظم مصیبة على المسلمین أن یكون القائم بنشرها جامعة المدینة المنورة الإسلامیة التی‏] ینبغی‏] أن تكرس كل جودها للدفاع عن وجودنا الإسلامی شیعة وسنة، وإرشاد المسلمین إلى ترك الجفوة والبغضاء. وأن تساهم بما عندها من طاقاتٍ مع العلماء المصلحین من الفریقین لتحقیق التقریب والاخوة الإسلامیة.

ویسوءنا زیادة على ذلك أن الحكومة السعودیة التی تنفق على هذه الجامعة هی التی تعتنی بالدعوة إلى الوحدة الإسلامیة اعتناءً كبیراً فجلالة الملك الراحل فیصل آل سعود كان من أولئك الرجال الذین ینادون الأمة بالوحدة الإسلامیة وهوالذی أدرك بثاقب نظره أن الشیعة لو لم تكن فی عقائدها الإسلامیة، والإلتزام بأحكام الشریعة، والدفاع عن كرامة القرآن، والأمر بالمعروف والنهی عن المنكر، ومحاددة من حاد الله ورسوله، والمحافظة على مصالح المسلمین أقوى من سائر الطوائف فهی لیست أقل من غیرها فی ذلك كله.

فهم الذین یضحون بأنفسهم فی الدفاع عن أحكام القرآن، ویجعلون نصب أعینهم الله ورسوله فیما یقولون وما یفعلون دلیلهم كتاب الله وسنة رسوله الكریم.

وجلالة الملك الحالی الملك خالد أیضاً یعرف ذلك، ویقفو أثره أخیه لا یرتضی هذه النعرات الطائفیة، ولا یحب التباعد، والتباغض، ووثوقه، واعتماده فی المشاكل الإسلامیة على أبناء الشیعة لیس بأقل من وثوقه واعتماده على أبناء السنة بل ربما یكون بعض أبناء الشیعة أوثق عنده من بعض أبناءالسنة المتأثرین بالدعایات الإلحادیة.

والحكومة العربیة السعودیة الحالیة هی التی تشجع الحركات الإسلامیة فی البلاد العربیة والإسلامیة، وغیرها، وتنفق علیها، وتؤدیها وتدرك ان الإسلام فی برامجه، واحكامه، ومناهجه مهدد من جانب الإستعمار، والإلحاد فی البلاد الشیعیة، والسنیة، وإذا اشتغل المسلمون بالمنازعات الطائفیة، وإذا كانت حصیلة بعض الجامعات وإنتاجات كتّابهم وناشریهم لا سیما فی المملكة السعودیة مطلع شمس هدایة الإسلام ومهبط وحی القرآن مثل كتاب : (السنة والشیعة). وكتاب : (حقائق عن أمیر المؤمنین یزید بن معاویة) وكتاب : (العواصم عن القواصم) بشرح الخطیب، وغیرها من كتب كل ما فیها بعید عن روح الإسلام ، بل هی مجلبة لغضب الله سبحانه ؛ لما فیها من طعن بأهل بیت رسوله الأعظم  ، و نصب‏ العداء لهم، و ولاء لأعدائهم ،  و تحقیق أمل الأعداء فی تقطیع جذور الإسلام من البلاد سواء كانت شیعیة أم سنیة ، و التفشیل لسعی الزعماء والمصلحین.

ولا ریب أن ما یكتبه هؤلاء المتمذهبون بولاء بنی امیّة، وبنی مروان والمصوّبون لمظالمهم، والمعلنون العداء لسیدة نساء العالمین، وبعلها أخی رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم، ووصیّه، وابنیها سیّدی شباب أهل الجنة، وسائر أهل البیت علیهم السلام لا یتوافق مع ما علیه أكثر أهل السنة فهذه كتبهم، ومؤلفاتهم فی الحدیث والتاریخ، والتراجم مملوءة بفضائل أهل البیت لا سیما أمیر المؤمنین، والسیدة الزهراء، والسبطین كما هی مشحونة بمثالب أعدائهم، وقد دونوا حتى المعاصرین منهم شكر الله مساعیهم كتباً مستقلة فی فضائل أهل البیت، وفی الخرافات ومثالب أعدائهم مثل معاویة وغیره، وأثبتوا فیها مطاعنهم وبدعهم.

فمن كان فی قلبه حب لآل بیت رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم، ولعلی علیه السلام  ـ الذی لا یحبه إلا مؤمن، ولا یبغضه الّا منافق ـ لا یمكن ان یشجع مثل هؤلاء الكتاب وینشرها ما هو ضد مصلحة الإسلام والمسلمین.

فإلى رئاسة جامعة المدینة المنورة الإسلامیة الموقرة، وأساتذتها المحترمین نوجه نداءاتنا المتكررة طالبین منهم بأن یكونوا عند مسؤولیاتهم الإسلامیة مراعین مصلحة الإسلام العلیا. وان لا یظنوا بأن أمثال هذه النشرات تفید المسلمین.

والذی نرجوه منهم هو أن یكونوا من كتابها وناشریها على حذر، وان یقرءواعلیهم قول الله تعالى:

«فریل للذین یكتبون الكتاب بأیدیهم ثّم یقولون هذا من عند الله لیشتروا به ثمناً قلیلًا فویل لهم ممّا كتبت أیدهم وویل لهم ممّا یكسبون».

ثم انكم أیها الاخوة الكرام لفی أقدس بلاد الله- فی الحرمین الشریفین لذا ؛ فإنّ القلوب من شرق الأرض وغربها تهفوا إلى دیاركم، وتشتاق إلى بلادكم، وأنتم یاعلماء الحرمین، ویا مجاوریهما محترمون عند الجمیع ؛ لشرف مكانكم.

فیا ساكنی أطراف طیبة كلكم‏

إلى القلب من أجل الحبیب حبیب‏

خذوا اهبتكم، وجددوا النظر فی مناهجكم، وكتبكم ومقالاتكم ودروسكم وبحوثكم فقد أعطاكم الله فی كل سنة فرصة سعیدة اختص الله سبحانه بها امتنا، وأقدركم بها على أن تصلحوا بین المسلمین وتعرصوا علیهم أسالیب إسلامیة قیمة فی مناهج حیاتهم التی أثرت فیها الأسالیب الكافرة وأن تشجعوا الحركات الإسلامیة وتؤیّدوا العلماء المصلحین، وتدعوا أبناء الأمة جمیعاً من الشیعة والسنة إلى تطبیق أحكام القرآن.

فعلى الخطیب الذی یخطب فی المسجدین لهذه الجموع الغفیرة القادمة لأداء فریضة الحج المقدسة من كل فج عمیق أن یزودهم من تعالیم الإسلام بما یؤدی بهم إلى اتباع سبیل الإستقامة، والتضحیة فی سبیل إعلاء كلمة الإسلام، والجهاد ضد الإلحاد الذی أحاط بالعالم الإسلامی من كل جانب ویحثهم على مقاومة التیارات الخبیثة ویوجههم إلى الأسالیب التی أدت إلى إبعاد الشباب عن المناهج الإسلامیة، وجعلت مجتمعاتهم أشبه بالمجتمعات الغربیة. وأن برامج تعالیمهم وسیاساتهم، وحكوماتهم بعیدة عن روح الإسلام ومبادئه السمحاء التی لا خلاف فیها بین الأمة شیعة وسنة.

لا أن یقول عن طوائف المسلمین ما یورث الشنآن، والبغضاء وما لا یستقبله جیلنا الحاضر إلا بالنفور، ولا یزید الأمة إلا جهلًا، وفی كلیهما خدمة لأعداء الإسلام،- الإستعمار والصهیونیة.

فلا یتشوق المسلم المعاصر إلى مسألة أهم من مسألة الوحدة الإسلامیة، والتقریب بین الشیعة والسنة ؛ لأنه لا یرى مانعاً من تحقیقها فی عقائد الشیعة، ولا فی عقائد السنة، ولو لم یوجد فی بعض المنتحلین للعلم والكتابة مثل كتاب (الخطوط العریضة) و (حقائق عن أمیر المؤمنین یزید بن معاویة)[1] و (الشیعة والسنة) وناشر (العواصم من القواصم) وشارحه لأصبح المسلمون فی وئام ووداد.

عقائد الشیعة والسنة مشتركة

المسلمون جمیعاً من الشیعة والسنة یعتقدون بأن الله عز وجل وحده لا شریك له إله الجمیع، وخالق كل شی‏ء، وأنه الرزاق ذو القوة المتین، والغفار والوهاب، ومجیب الدعاء، وقاضی الحاجات، وإلیه یرجع الأمر كله له الأسماء الحسنى لا إله إلّا هو الحی القیوم.

إن الإسلام دین الجمیع والقرآن هذا الموجود بین الدفتین الذی یتلى فی اذاعات المسلمین، ویقرؤه الشیعة والسنة آناء اللیل وأطراف النهار فی صلواتهم ،  و فی شهر رمضان یتقرّبون إلى الله بقراءته، وتعلمه وتعلیمه هو كتابنا، وخاتم الأنبیاء والمرسلین، وسید الخلق وأفضلهم أجمعین هو محمد بن عبد الله صلى الله علیه وآله وسلم نبینا، وأن حلاله حلال إلى یوم القیامة وحرامه حرام إلى یوم القیامة لا نبی بعده، وأنّ كل ما جاء به من الله حق نؤمن به، وأن الكعبة قبلتنا، وأن الصلوات الخمس، والزكاة  الواجبة و حج بیت الله الحرام، والجهاد فی سبیل الله، وولایة أولیاء الله، ومحاددة من حاد الله و رسوله، فرائضنا، وأن الله یبعث من فی القبور لتجزى كل نفس بما كسبت.

فالمسلمون كلهم فی هذه العقائد، وأمثالها، وفی عباداتهم، ومعاملاتهم شرع سواء یعتقدون الجمیع أن الإسلام عقیدة، و نظام، و حكم و سیاسة، ولا اعتداد لجمیع المناهج السیاسیة، و الإجتماعیة و المالیة و التربویة، إذا كانت خارجة عن نطاق الإسلام، و نظاماته الجامعیة[2].

لا یشك أحد فی اتفاق الشیعة، وأهل السنة على جمیع ذلك، ولا ینكره إلا من كان فی قلبه مرض أو یسعى من حیث یشعر أو من حیث لا یشعر إلى إثارة الفتنة بین المسلمین ككاتب (الخطوط العریضة) و (الشیعة والسنة)، و (حقائق ...)، و (مجلة البعث الهندیة) ممن یحسدون المسلمین على ما آتاهم الله من الوحدة، وجعل أمتهم أمة واحدة.

فقال سبحانه وتعالى: «إنّ هذه امّتكم امّة واحدة وأنا ربّكم فاعبدون». ویعتمدون فی آرائهم، وأحكامهم على كتب ابن تیمیة، وأمثاله أشد وأكثر مما یعتمدون علیالكتاب والسنة یردون الأحادیث الصحیحة، ویسعون لأن یسدّوا على المسلمین طریق التفكر، والتعقل، ویشجعون على الجمود الفكری، والوقوف وعدم الإنطلاق إلى الأمام، حتى أن بعضهم ممن یعد عند طائفته من أكابر علماء المسلمین كفّر فی مقال نشرته جریدة البلاد كما نشرته جریدة الدعوة الإسلامیة، كل من قال من المسلمین بأن الشمس ثابتة، والأرض‏ جاریة فقال بكل جرأة وصراحة، إن كل من قال هذا القول، فقد قال كفراً وضلالًا[3] فانا لله وانّا إلیه راجعون.

ومن عجیب أحوالهم انهم یكتبون حول المذهب، ویسعون فی تفریق كلمة المسلمین، ویغضبون على من یجیب عنهم، ویظهر زورهم وبهتانهم ومخاریقهم، وسوء نیاتهم، وكیدهم للإسلام والمسلمین.

والجدیر بنا بعدما ذقنا من مرارة المجادلات، والإختلافات فی الأجواء المشحونة بالعصبیات، والسائرة فی ركاب الأطماع، والإتجاهات السیاسیة وجربنا ما أدّى إلیه تضارب الطوائف، من المعتزلة و الأشاعرة و الوهابیة و السنة، والشیعة، وأصحاب المذاهب الأربعة من الضعف والفشل والقضاء على هذه الحالة المنكرة بالاعتصام بحبل الله، وحسن الظن بالمسلمین، والتزام طریق الأنصاف والعقل، وعدم التسرع إلى تفكیر أهل القبلة وتفسیقهم بمجرد المزاعم، والاستناد إلى بعض الأخبارالمتروكة أوالمتشابهة مما یوجد الكثیر فیها فی كتب الفریقین.

ونحمل ما نعرف من غیرنا مما هو خلاف مذهبنا- مهما أمكن- على المحامل الصحیحة وانه ناتج عنده من الإجتهاد بعد اتفاق الكل على الأصول الإسلامیة التی دلت صحاح الأحادیث على أنها هی المیزان والملاك فی الحكم على الآخرین بالإسلام وعدمه.

فتعالوا نجلس اخواناً متحابین على صعید اسلامی واحد، لننظر كیف یجب إن نقف قبالة الأعداء، ونصون شباننا عن الإنصیاع وراء الأفكار الإلحادیة التی تأتی من الشرق أو الغرب، ونوحد مساعینا لتطبیق أحكام الإسلام، ونعمل على طرد هذه البرامج التربویة المادیة، التی كادت ان تذهب أو أنها ذهبت بالغیرة الدینیة، وأثرت على الفتیان، والفتیات حتى صاروا یفتخرون بالدعارة والخلاعة، والرقص والغناء، والقمار، وشرب الخمر، والسفور واختلاط النساء بالرجال الأجانب، وتقلید الكفار فی جمیع أطوار حیاتهم حتى المجالس والملابس، بعد ما كانوا یفتخرون بالآداب الحسنة من الحیاء، والغیرة، والشجاعة، والفتوة، والعفة، والطهارة، والشرف، وغیر ذلك من أخلاق الأنبیاء سیما نبینا الذی وصفه الله تعالى بقوله: «وإنّك لعلى خلقٍ عظیمٍ» وبعد ما كانوا لا یخضعون إلا لسلطان الدین وسلطان أحكام الله.

تعالوا لنذهب إلى المدارس وإلى الكلیات، والجامعات، والبارلمانات وإلى دواوین القضاء، وإلى مراكز الجند، ولننظر إلى ما تحتویه أفلام السینما ومناهج التلفزیون فی بلادنا، وإلى ما ینشر كل یوم فی الجرائد، والمجلات، وإلى ... وإلى ...

حتى نرى كیف خرجت كلها عن مناهج الإسلام، وبشكل یؤدی إلى القضاء على شخصیتنا الإسلامیة.

تعالوا لنرى بین من یتسمون بالمسلمین، من یبدأ باسم سمو الأمیر أو الرئیس أو السلطان، بدلًا عن بسم الله الرحمن الرحیم.

تعالوا لنرى ما أصیبت به أمتنا من تجزئة البلاد، وتفرقتها بین حكومات متعددة، ودویلات صغیرة ضعیفة خاضعة للإستعمار، یوجه بعضها ضد البعض‏ لتعمیق جذور التفرقة فیما بینها، والإبقاء على عدم التلاقی بین الأشقاء من شعوبها.

ثم أن هذه الحكومات التی تحتفظ بتفرقة الأمة، لتحتفظ بوجوداتها لا یمكن ان تسمح لها بوحدة حكومیة سیاسیة، بل أنها أخذت بتطبیق مبدء العلمانیة المستلزم لفصل الدین عن الدولة، والإسلام عن مسلكیة الحكومة، وأبعاده عن الحیاة الإجتماعیة حتى ان التواریخ الإسلامیة فی بلاد المسلمین بدلت بالتواریخ والتقاویم الغربیة.

 

الكلام حول الأحادیث‏

لا یخفی ان كتب الحدیث بما فیها من الصحیح والسقیم، والقوی، والضعیف، والغریب، والمرفوع، والمرسل، والمتروك، وغیرها لا یحتج بكل ما فیها، ولا یجعل كل حدیث منها حجة على ما اعتقده المسلمون من الشیعة أو السنة[4] یعرف ذلك الحذاق فی هذا الفن، ویصح ان یقال ان كل عقیدة اسلامیة جاءت من الكتاب والحدیث، ولا یصح ان یقال كل حدیث جاء بالعقیدة وبناء على ذلك فلا یقبل من الحدیث إلّا ما توفرت فیه شرایط الصحة والقبول، ولا یكون متروكاً. ولا معرضاً عنه.

اللهم الّا یعلم جهة الترك، والاعراض، وانها لیست شرعیة كما یجب ان لا یكون الحدیث مخالفاً لصریح القرآن. والّا یضرب على الجدار، وهذا من أعظم ما أخذت به سیدة العالمین علیها السلام على القوم فی مسئلة تركة النبی صلى الله علیه وآله وسلم، فان بعضهم حدث عن النبی صلى الله علیه وآله انه قال: نحن معاشر الأنبیاء لا نورث، ولم یلتفتوا إلى ان هذا مخالف لكتاب الله تعالى.

كما یجب ان لا یكون الحدیث مخالفاً لضرورة عقلیة، والا یجب تأوله وحمله على المحامل الصحیحة، وجعل الضرورة قرینة على المجاز والأحادیث الدالة على التحریف سواء أكان من طرق الشیعة أو السنة كذلك.

فاذا فرض ان یكون بینها الظاهر فی ذلك فهو مخالف لضرورة العقل كما انه مخالف للقرآن المجید، ولذا تركها العلماء، ولا تجد أحداً من الشیعة حتى من یتبع الشواذ، من یعمل بها كما لا أظن ان یكون بین أهل السنة من یفتی بذلك، ویعتمد علیهما إلّا القلیل ممن لا نحب التصریح بذكر أسمائهم.

وسواء أساء المنحرفین عن أهل البیت، ومحبّی اعدائهم ممن لا یعتد بآرائهم عند أهل السنة او لا یسوءهم، وسواء ارادوا أم لا یریدوا فالمسلمون كلهم منّ الشیعة والسنة تفكیرهم فی المسائل الإسلامیة، ومناهجهم فی حل المشاكل، وخططهم وسیرتهم، فی مواجهة التیارات المخزیة الإلحادیة، غیر تفكیر هؤلاء فقادتهم وزعماؤهم وعلماؤهم والمصلحون یجتمعون فی مجلس واحد، ویتذاكرون فی مستقبل الأمة مجتنبین سوء الظن فیما بینهم.

وربما یعتمد السنی على الشیعی فی هذه المسائل، والغیرة على حفظ نوامسینا الإسلامیة، والاحتفاظ بامجادنا أكثر من اعتماده على بعض أهل السنة فقد عرف الكثیرون من علماء السنة حقیقة الشیع، والشیعة وأدركوا مبلغ اخلاصهم لدین الله، وكتابه كما یعرفون ان كل ما یقول هؤلاء عن الشیعة من الكذب والنفاق الخداع زور وبهتان.

فهم أفصح الناس للاسلام والمسلمین، وكتاب الله وسنة رسوله فلیتجول كل من یرید ان یعرف عقیدة الشیعة فی كتاب الله، ولا یرید الفساد والفتنة فی بلاد الشیعة، ولیراجع مؤلفاتهم حتى یعرف عقیدتهم فیه، وانهم ما اختاروا

رأیاً، ولا اعتقدوا عقیدة فی الإصول والفروع الّا ویستندون فیها الى الكتاب والسنة.

واذن فلن تحصلوا من وراء سعیكم فی ایقاد نار التباغض والمجادلة بغیر الحق الّا الخسران والّا تكریس الضعیف فی صفوف المسلمین، وخیانة الزعماء والمصلحین.

مع انه لا یكاد یجول فی خاطری، ولا فی خاطر أحد من الواعین أو یدور فی مخیلته، ونحن فی هذا العصر عصر النور، ومع توفیر كتب الحوار المنطقی بین الفریقین، وخصوصاً تلك التی تتضمن المناظرات القیمة، حول جمیع المسائل الخلافیة بین أقطاب المذهبین ككتاب (المرجعات) وغیره.

نعم ما كنا نتصور بعد هذا كله أن یأتی كاتب یتلبس ثوب العلم فیكرر نقل الأكاذیب التی اخترعها ساسة الجور والظلم، ووضعها تجار الدین ممن باعوا أنفسهم للشیطان، إرضاء لهؤلاء الساسة ضدّ شیعة أهل البیت علیهم السلام.

فكل ما اتى به من الزور والبهتان وافتراه على الشیعة لیس إلّا بعض ما كتب موسى جار الله، وقد ردّ علیه رداً شافیاً لم یجعل لا لتباس الحقیقة بالباطل مجالًا، السید شرف الدین فی (أجوبة مسائل موسى جار الله) وسید الاعیان السید محسن الامین مؤلف (اعیان الشیعة) و (نقض الوشیعة).

فیا أهل الإنصاف اقرأوا هذه الكتب (اجوبة مسائل موسى جار الله) و (نقض الوشیعة) و (إلى المجمع العلمی العربی) و (المراجعات) و (النصّ والإجتهاد) و (الفصول المهمة) و (ابو هریرة) و (عبد الله بن سبأ) و (أصل الشیعة واصولها) و (امان الأمّة من الضلال والاختلاف) و (مع الخطیب فی خطوطه العریضة).

فانظروا هل بقی بعد ما تضمنته هذه الكتب من حقائق سؤال عن الشیعة.

وهل یرد اعتراض علیهم؟ وهل بقی مجال لتكرار ما نسجته ایدی أهل العناد: واللجاج؟ وهل یقول بعد هذه الكتب أحد بعدم حصول التفاهم والتجاوب، والتقریب بین الفریقین؟ إلا المعاند اللجوج من یكتب لمنفعة أعداء الاسلام.

أقرأوا هذه الكتب حتى تعرفوا انه لیس هنا ما یمنع من تحقیق وحدة الأُمة. وتوحید الكلمة، والتقریب والتجاوب، إلّا افتراءات المفترین، وجهالات المتعصبین الجامدین.

إقتراح جذری لحسم الخلاف‏

وأخیراً نطلب من جامعة المدینة المنور، واساتذتها المصلحین تشكیل مؤتمر من اقطاب فكرة التقریب، والسكرتیر العام لدار التقریب، وغیرهم من العلماء المصلحین من الشیعة والسنة ومن هذا الخادم الضعیف للمسلمین ولیكن مقره فی المدینة المنورة، حتى ینظر الجمیع فیما یعرض من جانب المصلحین فی التقریب بین الفریقین، والتجاوب، والتفاهم، وحتى یتضح لهم ان لا شی‏ء بین الفریقین یوجب هذه الجفوة، والتباعد، والتنافر، والبغضاء.

وان امتیازیة الشیعة عن السنة فی بعض جوانب العقیدة انما هو عقیدة لهم أدّى اجتهادهم فی الكتاب والسنة إلیها، ولا تختلف عقائد الشیعة مع السنة فی اركان الإسلام الاعتقادیة، والعملیة التی یكون الاعتقاد بها من شرایط الاسلام والتی اتفقت علیها كلمات أكابر أهل السنة، ودلت علیها صحاح أحادیثهم.

وحتى یظهر للجمیع انه قد آن ان نترك هذه المناقشات ونشر هذه الكتیبات ونختم على الكلام حول الخلافات، والافتراءات المذهبیة، فقد كفانا السلف مؤنة ذلك بما یغنی الباحثین. فلا تجتنی ثمرة من المقالات الشائكة سیما على أساس العصبیة، والزور، والبهتان الّا الضعف والتخالف والتخاصم أعاذنا الله تعالى منها ونسأله ان یجمع شملنا ویلم شعثنا ویشعب صدعنا، ویرتق فتقنا، وینصرنا على القوم الكافرین.

«ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هدیتنا وهب لنا من لدنك رحمةً انّك أنت الوهذاب. ربّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك، ولا تخزنا یوم القیمة إنّك لا تخلف المیعاد ربّنا اغفر لنا ولاخواننا الّذین سبقونا بالإیمان، ولا تجعل فی قلوبنا علًّا للذین آمنوا ربّنا انك رؤوف رحیم».

26- ذی الحجة الحرام 1396 لطف الله الصافی‏

 

 

 

 

 

 

[1] ( 1) یأتی ما نشرته( رسالة الجامعة، جامعة الریاض) حول هذا الكتاب وانه هراء فی هراء.

[2] ( 1) ولا اعتداد بما أفتى به بعض علماء أهل السنة ممن تأثر بآراء الغربیین والمستعمرین على خلاف جمهور علمائهم من المقول بالعلمانیة، وفصل الدین عن الدولة، والحكومة عن الإسلام، فراجع كتاب( موقف العقل والعلم من رب العالمین وعباده المرسلین).

[3] ( 1) وقد أحدث هذا التكفیر ضجة كبیرة فی الأوساط العلمیة، ورد هذا المقال رداً شافیاً الأستاذ محمد محمود الصواف فی رسالته القیمة : ( المسلمون وعلم الفلك).

[4] ( 1) نعم یعتبر أهل السنة ما فی الصحاح الستة ولا سیما الصحیحین حجة فال یجوزون القدح فی صحة ما اخرجه البخاری أو مسلم، اما الشیعة فیجوزون المناقشة حتى فی جوامعهم الأربعة. فاعتبارهم الحدیث صحیحاً لیس باعتبار انه فی( الكافی) و( من لا یحضره الفقیه) أو( الاستبصار) أو( التهذیب). بل لهم فی قبول الحدیث والحكم باعتباره، وجواز العمل به قواعد، وشرائط تكشف عن كمال دقتهم فی الحدیث متناً وسنداً فلا تؤخذ عقائدهم بل ولا آرائهم من كتب الحدیث، بل یضاف على ذلك كتبهم فی الكلام، والفقه التی یبحثون فیها عن الأصول والفروع، وعن الأحادیث التی تحتج بها على ضوء علمی.

الأربعاء / 3 يوليو / 2019