جمعه: 1403/01/10
نسخة للطباعةSend by email
من نواحي العظمة في حياة النبي الكريم صلى الله عليه وآله بمناسبة شهادة نبي الاسلام المكرم صلی الله علیه و آله مقالة من آیة الله العظمی الصافي الگلپایگاني مدظله الوارف

بمناسبة شهادة نبی الاسلام المكرم صلی الله علیه و آله

مقالة من آیة الله العظمی الصافی الگلپایگانی مدظله الوارف

بسم الله الرحمن الرحیم

قال الله تعالی: «وَ مَا أَرْسَلْنَاکَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِین» و «وَ إِنَّکَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِیمٍ»

أزكى السلام والتحیّات لساحة  ولی الله الاعظم حجة الله صاحب العصر والزمان ارواح العالمین له الفداء و بعد تقدیم أحر التعازی والمواساة بمناسبة حلول الذكرى الفجیعة لشهادة النبی الأعظم محمد المصطفی صلی الله علیه و آله.

أكتب هذه السطور تیمنا وتبركا بهذه الذكرى وهذه الأیام ایّام الله:
لا یوجد ما هو أولى وأنفع  للمجتمعات الانسانیة والاسلامیة من معرفة السیرة النبویة العطرة والمدرسة الرسالیة لنبی الاسلام المعظم صلی الله علیه وآله وأهل بیته الكرام علیهم السلام.

یجب أن تنشر هذه المعارف والسیرة وتطرح للبشریة كتراث علمی عظیم خالد، فإن المسلمین والبشریة جمعاء بحاجة إلى معرفة هذه السیرة الجامعة، والبحث والتعمق فی دراستها والكشف عن الجوانب الشاملة  وما تنطوی علیه من المعانی العمیقة الراقیة، الجدیرة حقا أن تكون منهجا وهدیا لهم فی نواحی حیاتهم، وسیرهم نحو الكمال الالهی المطلق.
 
فلا یوجد نظیر لها فی تكاملها وثرائها وأصالتها ونقائها وفی شمولها لجمیع الحاجات والشؤون البشریة الروحیة والجسمانیة، وطموحات الانسان المادیة والروحیة.

لا شك أن معرفة هذه السیرة علم لیس علما واحدا فقط بل تحتوی على علوم عدیدة جدا یحتاجها جمیع البشر. 

تقع على المسلمین فی الوقت الحاضر على الخصوص وقبل غیرهم مسؤولیة نشر هذه السیرة وتعریفها للمسلمین أولا ثم تعریفها لغیرهم، من خلال تأسیس مراكز الأبحاث الكبرى.

علیهم إیصال رسالة خاتم الانبیاء صلى الله علیه و آله و سلم وتعالیمه المثلى فی جمیع مجالات الحیاة، والمعنویات والغیب والشهود والأخلاق والتربیة، وعلاقات البشر مع الله ، وعلاقات الفرد مع الأسرة و المجتمع.

هذه المدرسة والدعوة والكتاب المجید وهذه السیرة یجب أن تنشر وتبلغ الجمیع، لأنه لا خدمة أكبر من هذه الخدمة، ولا إصلاح أهم من تعریف هذه الدعوة والسیرة النبویة للبشریة أجمع.

أرقى منهج یتلائم مع الفطرة البشریة ویستوعب جمیع حاجاتها هو المنهج المحمدی والهدی العلوی، تبین الآیة الكریمة: «وَ مَا أَرْسَلْنَاکَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِینَ» الهدف الأسمى للدعوة النبویة الشریفة.
ذلك أن نفس الوجود المقدس المتمثل بالنبی محمد بن عبد الله صلى الله علیه واله قد جمع تمام الكمالات وعوامل العظمة الانسانیة العلیا والفذة، التی لاتتسع لبیانها هذه المقالة، واجمالا لو كان من المناسب نعت الأنبیاء والرسل بلقب "الأبطال" فإن لقب "البطل الأوحد" هو الأنسب أن یلقب به نبینا الكریم كما وصفه به المؤرخ الانجلیزی الشهیر «طوماس كارلایل » من بین جمیع الأنبیاء والمرسلین.

من نواحی العظمة الكبرى فی حیاة هذا النبی الكریم صلى الله علیه وآله هی عظمة التشریع، التی لا نظیر لها بین المشرعین والمقننین، ولم یحظ أحد منهم بهذا الشرف.
تبرز أهمیة هذا الموضوع حینما نلاحظ ما یتطلبه وضع مادة قانونیة واحدة من مجموعة كبیرة من الدراسات والمناقشات والمداولات، إلى جانب مجموعة من المراحل التقنینیة الأخرى التی یجب أن تمر بها حتى تصل إلى مرحلة الإرجاع إلى مجلس التقنین الأعلى لتناقش وتراجع ویبت فیها.

ألیس من العظمة أن شخصا یطرح قوانین شاملة لجمیع مجالات حیاة البشر وتضمن جمیع حقوقهم، ولا زالت حیة بعد أربعة عشر قرنا وباعتراف حقوقیی العالم واذعان ودعم من قبل أهل الخبرة والاختصاص المنصفین هی القوانین الوحیدة الكفیلة بحل المعضلات البشریة الراهنة؟
حقا انها عظمة محیرة للعقول، تدل على أن مصدرها الوحی الالهی و الرسالة السماویة.

من نواحی العظمة الاخرى فی حیاة هذه الشخصیة الفریدة البطلة هی الزهد وعدم الاعتناء بالمظاهر الدنیویة، ما جعلها قدوة لجمیع الزهاد.
من مظاهر زهد النبی صلى الله علیه وآله أنه فی أوج قدرته المادیة وعظمته الظاهریة لما مكن له فی الأرض كان یصلح نعاله ویخیط ثوبه بیده، ویعرض عن مظاهر الترف ولا یركن الى اللذائذ الدنیویة، وكان اذا شاهد شیئا من زینة الدنیا فی بیته یأمر أهله بتغیبه عن ناظریه الشریفین، یرید عدم الانشغال بالدنیا.

من مظاهر عظمتة النبی الاخرى، هی الاصلاحات الاساسیة الاجتماعیة الكبرى.
 لم یسبق لأحد من قادة الثورات الكبرى أن یحدث كل هذا التغییر والثورة الفكریة والسلوكیة المنقطعة النظیر فی هذه المدة القصیرة.
یقول تولستوی: « لا شك أن محمدا(ص) من عظام الرجال الذین قدموا خدمات كبرى للمجتمع. فیكفیه فخرا أنه قاد أمة إلى عالم النور والهدایة وانتشلها من حضیض الجاهلیة وسفك الدماء ووأد البنات. إن رجلا مثله لحری بالاكرام والاحترام ».
یطول الحدیث جدا فی شرح الاصلاحات الاجتماعیة الكبرى التی قام بها النبی صلی الله علیه وآله فلم یشهد التاریخ مثله فی نجاحه فیما أحدثه من تغییر اجتماعی شامل على الصعد المختلفة المادیة والمعنویة والروحیة والجسمانیة الفردیة والاجتماعیة فی مدة قصیرة جدا.

من جوانب عظمة هذه الشخصیة الفذة هی العدالة والمساواة، فإلى جانب منادته بذلك بالقول وعلى لسان الوحی فی القران الكریم كان یقرن القول بالعمل ویحقق المساواة ویطبق العدالة على أرض الواقع.
كان یحقق المساواة حتى فی مجلسه، فلا یمیز نفسه المقدسة بین جلسائه وكان فیهم كأحدهم على الرغم من أن الأغنیاء والأقویاء كانوا یمیزون أنفسهم ویجلسون بالقرب منه، إلا أن الجمیع بنظره الشریف سواسیة غنیهم وفقیرهم وقویهم وضعیفهم.

كان هذا جزء بسیطا من نواحی عظمة شخصیة النبی الأكرم صلى الله علیه وآله، وعلى الجمیع وخصوصا المسلمین أن یعلموا عظم حق النبی علیهم ویقدروا الخدمات والتعالیم والارشادات العظمى التی قدمها للبشریة. علیهم أن یقیموا العزاء ویستشعروا عظم المصاب ذكرى فقدان هذه الشخصیة العظیمة؛ كما أن على العلماء والباحثین وفئة الشباب المؤمنین على الخصوص أن یعرفوا بكل اخلاص البشریة بهذه الشخصیة وبرسالة الاسلام، وأن یجددوا الالتزام بتعالیمها ان‌شاء الله.

الثلاثاء / 5 أكتوبر / 2021