جمعه: 1403/01/31
نسخة للطباعةSend by email
في عظمة نبيّ الرحمة والإمام الصادق عليهما السلام
مقال لآية الله العظمى الصافي الگلپايگاني دام ظله بمناسبة عيد 17 ربيع الأول

بسم الله الرحمن الرحیم

 

ما كتب من الكتب والآثار فی خصائص نبیّ الاسلام وخاتم المرسلین نبیّنا محمد المصطفى صلى الله علیه وآله ومناقبه كثیرة جداً.

 

* فی كلام الكتّاب والشعراء:

 

ما أكثر من كتب فی فضائل النبی صلی الله علیه وآله ومدحه من المسلمین سنة وشیعة ومن المستشرقین، وما أكثر من نظم فی مدحه من شعراء العرب والعجم، والكل منهم یعترف بعجزه ویذعن بقصوره فی وصفه ومدحه.

 من شعراء العرب أحمد شوقی اذ یقول:

وُلِدَ الهُدى فَالكَائِناتٌ ضِیاء * وَ فَمُ الزَّمانِ تَبَسُّمٌ وَ ثَناء

الرُّوحُ وَالملأ المَلائكُ حَولَه * لِلدِّینِ وَالدُّنیا بِه بُشرَاء

 وَالعَرشُ یَزهُو وَالحَظیرةُ تَزدَهی * وَ المُنتَهى وَالسِّدرَة العَصمَاء

إلى أن یقول: بِكَ بَشَّرَ اللهُ السَّماءَ فَزُیِّنَت * وَ تَضَوَّعَت مِسكاً بِكَ الغَبراء

یَــومٌ یَتیهُ عَلَى الزَّمانِ صَبــاحُهُ * وَ مَسَاؤُهُ بِمُحمَّدٍ وَضَّاء (1)

 

ومن شعراء العجم سروش الاصفهانی الملقب بشمس الشعراء، اذ یقول:

امروز فسرد آذر برزین * كردند براق مَحْمِدَت را زین

امروز بهشتیان به استبرق * بستند بهشت عدل را آذین

امروز شكست صفّه كسری * و آمد به جهان یكی درست آیین

سالار پیامبران ابوالقاسم * آن كرده خطاب، ایزدش: یاسین

چون شعله كشد جحیم آتش را * حبّ وی و آل وی دهد تسكین

 

كان هذا نموذجاً من الأشعار فی وصف النبی الخاتم ومدحه صلی الله علیه وآله.

 

* فی القرآن الكریم

مهما قلنا نحن فی مدح النبی صلی الله علیه و آله أو اعترف الآخرون، إلا أنّ القران الكریم فوق الجمیع:

«لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِینَ إِذْ بَعَثَ فِیهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ یَتْلُو عَلَیْهِمْ آیَاتِهِ وَ یُزَكِّیهِمْ وَ یُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِی ضَلاَلٍ مُبِینٍ.»(2)

أجل، یقف الانسان عاجزا أمام هذه الشخصیة العظیمة، بل حتى العظماء من البشر اعترفوا بقصورهم.

 

* فی کلام امیرالمؤمنین علیه السلام

 

علینا أن نقتفی آثار مدح النبی صلی الله علیه وآله فی كلام امیرالمؤمنین علیه الصلاة والسلام، فمثله هو من یؤدی حق مدیحه ویصف مكارم أخلاقه ونبل شخصیته، إن أردنا أن نتعرف على عظیم سیرته وصفاته الحمیدة فعلینا أن نقرأ خطبته علیه السلام الشریفة فی نهج البلاغة التی یقول فیها «إِنَّ اللهَ تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّداً نَذِیراً لِلْعَالَمِینَ وَ أَمِیناً عَلَى‏ التَّنْزِیلِ‏ وَ أَنْتُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ عَلَى شَرِّ دِینٍ وَ فِی شَرِّ دَارٍ مُنِیخُونَ بَیْنَ حِجَارَةٍ خُشْنٍ وَ حَیَّاتٍ صُمٍّ تَشْرَبُونَ الْكَدِرَ وَ تَأْكُلُونَ الْجَشِبَ وَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَ تَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ الْأَصْنَامُ فِیكُمْ مَنْصُوبَةٌ وَ الْآثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَة.»(3)

ویقول فی موضع آخر من كتاب نهج البلاغة : «أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ وَ أَعْلَامُ الْهُدَى دَارِسَةٌ وَ مَنَاهِجُ الدِّینِ طَامِسَةٌ فَصَدَعَ بِالْحَقِّ وَ نَصَحَ لِلْخَلْقِ‏ وَ هَدَى إِلَى‏ الرُّشْدِ وَ أَمَرَ بِالْقَصْدِ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّم‏.»(4)

وینقل علیه السلام فی خطبته المعروفة بالقاصعة معجزة للنبی صلی الله علیه و آله یقول أحد المؤرخین فیها: لا أشك أن من عاصر النبی صلی الله علیه وآله حین وقوع تلك المعجزة وشاهدها كان منهم من یسمع هذه الخطبة لأمیر المؤمنین علیه السلام ویقر بوقوع تلك المعجزة.

یقول علیه السلام فیها : «لَقَدْ كُنْتُ مَعَهُ لَمَّا أَتَاهُ الْمَلَأُ مِنْ قُرَیْشٍ. فَقَالُوا لَهُ: یَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ قَدِ ادَّعَیْتَ‏ عَظِیماً لَمْ یَدَّعِهِ آبَاؤُكَ وَ لَا أَحَدٌ مِنْ بَیْتِكَ وَ نَحْنُ نَسْأَلُكَ أَمْراً إِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنَا إِلَیْهِ وَ أَرَیْتَنَاهُ عَلِمْنَا أَنَّكَ نَبِیٌّ وَ رَسُولٌ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ عَلِمْنَا أَنَّكَ سَاحِرٌ كَذَّاب. فَقَالَ: وَ مَا تَسْأَلُونَ؟ قَالُوا: تَدْعُو لَنَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ حَتَّى تَنْقَلِعَ بِعُرُوقِهَا وَ تَقِفَ بَیْنَ یَدَیْكَ فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَلى‏ كُلِّ شَیْ‏ءٍ قَدِیرٌ. فَإِنْ فَعَلَ اللهُ لَكُمْ ذَلِكَ أَ تُؤْمِنُونَ وَ تَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّی سَأُرِیكُمْ مَا تَطْلُبُونَ وَ إِنِّی لَأَعْلَمُ أَنَّكُمْ لَا تَفِیئُونَ إِلَى خَیْرٍ وَ إِنَّ فِیكُمْ مَنْ یُطْرَحُ فِی الْقَلِیبِ وَ مَنْ یُحَزِّبُ الْأَحْزَابَ. ثُمَّ  قَالَ: یَا  أَیَّتُهَا  الشَّجَرَةُ  إِنْ كُنْتِ تُؤْمِنِینَ بِاللهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ وَ تَعْلَمِینَ  أَنِّی رَسُولُ الله فَانْقَلِعِی بِعُرُوقِكِ حَتَّى تَقِفِی بَیْنَ یَدَیَّ بِإِذْنِ اللهِ.»

«فَوَالَّذِی بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَانْقَلَعَتْ‏ بِعُرُوقِهَا وَ جَاءَتْ وَ لَهَا دَوِیٌّ شَدِیدٌ وَ قَصْفٌ كَقَصْفِ أَجْنِحَةِ الطَّیْرِ حَتَّى وَقَفَتْ بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللهِ مُرَفْرِفَةً وَ أَلْقَتْ بِغُصْنِهَا الْأَعْلَى عَلَى رَسُولِ اللهِ وَ بِبَعْضِ أَغْصَانِهَا عَلَى مَنْكِبِی وَ كُنْتُ عَنْ یَمِینِهِ. فَلَمَّا نَظَرَ الْقَوْمُ إِلَى ذَلِكَ قَالُوا: عُلُوّاً وَ اسْتِكْبَاراً فَمُرْهَا فَلْیَأْتِكَ نِصْفُهَا وَ یَبْقَى نِصْفُهَا.

فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ. فَأَقْبَلَ إِلَیْهِ نِصْفُهَا كَأَعْجَبِ إِقْبَالٍ وَ أَشَدِّهِ دَوِیّاً فَكَادَتْ تَلْتَفُّ بِرَسُولِ اللهِ. فَقَالُوا: كُفْراً وَ عُتُوّاً. فَمُرْ هَذَا النِّصْفَ فَلْیَرْجِعْ إِلَى نِصْفِهِ كَمَا كَانَ. فَأَمَرَهُ  فَرَجَعَ»

لذا قال علیه السلام: «فَقُلْتُ: أَنَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِنِّی أَوَّلُ مُؤْمِنٍ بِكَ یَا رَسُولَ اللهِ وَ أَوَّلُ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ الشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى تَصْدِیقاً بِنُبُوَّتِكَ وَ إِجْلَالًا لِكَلِمَتِكَ»(5)

 

* المستشرقون وشخصیّة النبی صلی الله علیه وآله

 

أجل، مهما تحدثنا لا نستطیع أن نلم بجانب واحد فضلا عن جمیع أبعاد و جوانب شخصیة النبی  صلی الله علیه وآله حتى الأجانب والمستشرقین اعترفوا مجبرین وانحنوا أمام عظمة هذه الشخصیة :

طوماس كارلایل ذكر فی كتابه «الأبطال» أسماء الأبطال فی مختلف الأصناف، مثل فی صورة القائد، والبطل فی صورة الشاعر، یذكر: البطل فی صورة النبی، و یقول البطل هو لیس موسى ولا عیسى ولا إبراهیم، وإنما یقول: بطل النبوة هو محمد.

 

* شخصیة الامام الصادق علیه السلام:

شخصیة الامام الصادق علیه السلام كشخصیة جدّه شخصیة عظیمة ایضاً. عرف بمدرسته الكبرى التی أسسها مناراً للأمة الاسلامیة، والتی لا نبالغ إن قلنا أنه لولاها لأضحى ما وصلنا من الدین ناقصاً.

یقول أبو حنیفة: «ما رأیت أفقه من جعفر بن محمد.»(6)

 وقد ألف ابن عقدة المتوفى فی سنة 333 هجریة ، كتابا باسم «أسماء الرجال الذین رووا عن الصادق علیه السلام" ذكر فیه أسماء أربعة الاف رجل ممن نقل الحدیث عن الامام علیه السلام وأخذ عنه العلوم، ولكن للأسف هذا الكتاب الذی أشار إلیه بعض الأعاظم ضاع أو ضیع كغیره.(7)

ینقل النجاشی فی رجاله عن أحمد بن عیسى الأشعری : «قَالَ: خَرَجتُ إلَى الكُوفَةِ فِی طَلَبِ الحَدیثِ فَلَقیتُ بِها الحَسنَ بنَ عَلی الوَشّاء فَسَألتُهُ أنَ یَخرُجَ إلی كِتابِ العَلاء بنِ رَزین القلاء وَ أبان بن عُثمان الأحمر فَأخرَجَهُما إلیّ فَقُلتُ لَهُ: أحَبُّ أن تُجیزَهُما لِی. فَقَال لِی: یَا رَحِمَك اللهُ وَ ما عَجَلتُك أذهَب فَاكتُبهُما وَ أسمع مِن بعد. فَقُلتُ: لا آمُنُ الحَدثان‏. فَقَال: لَو عَلِمتُ أنَّ هذا الحَدیثَ یَكُونُ لَه هذَا الطَّلب لاستَكثَرتُ مِنهُ فَإنّی أدرَكتُ فِی هذَا المَسجِد تِسعمِائة شیخٍ كُلٌّ یَقُولُ حَدَّثَنی جَعفَرُ بنُ مُحمَّد»(8)

 

* مكانة أهل البیت علیهم السلام

 

ما أعظمها من مدرسة؟! وما أعظم ما اشتملت علیه من علوم ؟!

 فلیس قول النبی صلی الله علیه وآله فیهم علیه السلام : «أذكركم الله فی أهل بیته»(9) ولا قوله: «لا تعلموهم فهم أعلم منكم»(10) محاباة لهم لكونهم قرباه ، بل لكونهم حقا أصحاب هذه المنزلة العظیمة، وجدیرون بذلك لما وصلوا إلیه من العلوم والمقامات.

لأحمد بن عبد العزیز المعروف بابن عیاش من كبار علماء القرن الرابع، المتوفى فی عام 401 كتاب باسم «مقتضب الأثر فی النص على الأئمة الاثنی عشر» كنت قد اطلعت على نسخة منه قبل أكثر من 50سنة، وكانت ردیئة الطباعة، لذا صممت على إعادة طبعه، بعد أن وقفت على جمیع الشواهد والأدلة على صحة نسبته لمؤلفه، واستخرجت روایاته أجمع من الكتب الأخرى التی كتبت بعده.

وقدمت له مقدمة نقلت فیها كلاما للشبراوی رئیس جامعة الأزهر الأسبق. الشیخ عبد الله الشبراوی له كتاب «الاتحاف بحب الأشراف» الذی كتبه فی فضائل ذریة النبی صلی الله علیه وآله، ینقل فیه عن بعض أهل العلم قوله:

«إنَّ آلَ البَیتِ حَازُوا الفَضَائلَ كُلَّها عِلماً وَحِلماً وَ فَصَاحَةً، وَ ذَكاءً وَ بَدیهَةً وَ جُوداً وَ شُجَاعَةً. فَعُلُومُهُم لا تَتَوَقَّفُ عَلى تَكرارِ دَرسٍ، وَلا یَزیدُ یَومَهُم فِیها عَلى مَا كَانَ بِالأمسِ. بَل هِیَ مَواهِب مِن مَولاهِم. مَن أنكَرَها وَ أرادَ سَترَها كَانَ كَمَن أرادَ سَترَ وَجهِ الشَّمسِ. فَمَا سَأَلَهُم فِی العُلومِ مُستَفید وَ وَقفوا  وَلا جَرى  مَعَهُم فی مِضمَار الفَضلِ قَومٌ  إلّا عَجَزُوا وَ تَخَلَّفُوا وَ كَم عَایَنُوا فِی الجِلاد و الجِدالِ  أمُوراً، فَتَلَقَّوها  بِالصَّبرِ الجَمیلِ،  وَمَا استَكَانُوا و ما ضعفوا تقرّ  الشقائق إذا هدرت شقائقهم و تصغی الأسماع إذا قال قائلهم  و نطق ناطقهم سجایا خصهم بها خالقهم»

إلى أن یقول : «وَقَد أشرَقَ نُورُ هذِه السِّلسلةِ الهَاشِمیّة، وَالبیضَةُ الطَّاهرة النبویة، والعِصَابة العَلَویة، وَهُم إثناعشر اماماً مناقبهم علیة، و صفاتهم سنیة، ونفوسهم شریفة ابیه، و أرومتهم كریمة محمدیة. ثم ذكر اسمائهم الشریفة علیهم الصلوة والسلام»

 

ختاماً أقول علینا أن نتعرف على عظمة أهل البیت علیهم السلام، وما وصلنا من علومهم وهدیهم، وأن نوصل ذلك إلى أسماع الناس كافة، لیغترفوا من بحر هذه العلوم والمعارف ان شاء الله.

 


مصادر:

1. الشوقیات أحمد الشوقی، مطبعة دار الشروق بمصر.

2. آل عمران؛ الآیة164.

3. نهج البلاغة؛ الخطبة26.

4. نهج البلاغة؛ الخطبة195.

5. نهج البلاغة؛ الخطبة192.

6. طبقات الحفاظ؛ الذهبی، الطبقة الخامسة، ص166.

7. رجال العلّامة الحلی؛ القسم الثانی، الباب الرابع.

8. الرجال للنجاشی؛ شرح حسن بن على بن زیاد الوشا.

9. بحارالأنوار؛ج23،الباب7،الحدیث10.

10.الکافی؛ المجلد1، بَابُ مَا نَصَّ اللهُ عَزَّوَجَلَّ وَ رَسُولُهُ عَلَى الْأَئِمَّةِ.

 

 

 

الأربعاء / 27 أبريل / 2022