جمعه: 1403/02/7
نسخة للطباعةSend by email
التفسير القرآن الكريم المنسوب إلى الإمام العسكري علیه السلام

التفسير المشهور بتفسير الإمام الحسن العسكري علیه السلام، نرى في رواته، مثل الشيخين المفيد والطوسي قدس سرهما، التفسير الذي اعتمد عليه جمع من أعاظم المحدثين، والمشايخ، منهم شيخنا الصدوق ـ الراوي الأصل التفسيرـ في كتابه من لا يحضره الفقيه، والعيون، والعلل، والتوحيد، وكمال الدين، والأمالي، ومعاني الأخبار؛ والطبرسي في الاحتجاج، وابن شهر آشوب، والقطب الراوندي في الخرائج، والمجلسي الأول وكذا الثاني، وجعله من مصادر البحار، وشيخنا الحر العاملي في الوسائل، وإثبات الهداة، والفيض في تفسيريه، والبحراني في تفسير البرهان، والحسن بن سليمان الحلي في كتابه المحتضر، وصاحب تفسير نور الثقلين، وجماعة اُخرى كما أنه من مصادر جامع أحاديث الشيعة الذي جمع بأمر سيدنا الاُستاذ الأكبر فقيه الطائفة السيى البروجردي قدس سره.

بينما ضعّفه أو نص على وضعه جماعة اُخرى من الأعلام لما فيه من بعض المناكير، وبعض ما يردّه من ضرورة التاريخ... الخ.

والذي يظهر لنا بعد مراجعة كلمات الطائفتين، وملاحظة الموضوع في ضوء الفن والدقة أنّه لا يجوز الحكم بكون التفسير الذي كان عند الصدوق، وروي عنه في كتبه حتى في مثل كتابه (الفقيه) موضوعاً على الإمام علیه السلام ، بحجة أن هذا الموجود عندنا فيه ما نعلم بعدم صدوره عن الإمام علیه السلام.

فإن وجود تفسير الإمام العسكري علیه السلام ضمن المصادر التي كانت عند الصدوق قدس سره، ورواية أعاظم الطائفة إياه عنه، لايكون جواباً على احتمال كون ما عنده غير مشتمل على التفسير الموجود بأيدينا لو لم نقل بأن المظنون، بل المقطوع به عدم اشتماله عليه.

كما أن رمي راوي التفسير محمد بن القاسم الأستر آبادي بالكذب بعيد جداً، فهو من مشائخ الصدوق، وروي عنه كثيراً في كتبه، وترضى عنه، وترحم عليه، وروي عنه مث هذا التفسير الذي لا ينبغي لمثل الصدوق أن يرويه بجلالة اسمه عن شخص مجهول لا يعرفه بالوثاقة، ويعتمد عليه في مثل هذا الكتاب، بل إن رمي أمثاله بالكذب محال عرفاً.

وكذا لا يجوز رمي أبي يعقوب يوسف بن محمد بن زياد، وأبي الحسن علي بن محمد بن سيار الراويين عن الإمام علیه السلام بوضع هذا التفسير لم يثبت كون ما فيه من المناكير والأحاديث الغريبة، غاية ما يمكن أن يقال فيهما جهالتهما وعدم ثبوت وثاقتهما، مع أن ذلك أيضاً مردود باعتماد الصدوق على روايتهما هذا التفسير بواسطة شيخه محمد بن القاسم حيث لا يكون ذلك من الصدوق إلا بعد استكشاف حالهما من محمد بن القاسم، مضافاً إلى أن النظر في الكتاب يبعد بل يكذب اشتراك هذين الرجلين بوضعه بما فيه من المطلب العالية، والمعارف الدقيق السامية.

وبالجملة يكفينا في صحة انتساب التفسير الموسوم بتفسير الإمام الحسن العسكري علیه السلام رواية الصدوق واعماده عليه ونقله عنه في سائر كتبه، فما ثبت من رواية الصدوق من هذا التفسير معتبر عندنا، كما أن أصل وجوده ثابت لنا، كما ثبت وجود تفسير للإمام أبي الحسن الهادي علیه السلام المسمى بتفسير العسكري الذي بلغت مجلدات مئة وعشرين مجلداً كما في بعض المصادر وإن لم يصل إلينا منه حتى جزء واحد!

نعم، لا يُمكننا إثبات أن كل ما في النسخة الموجودة عندنا قد رواه الصدوق لاشتماله على عدة موارد لا تتفق مع التواريخ الصحيحة أو لغرابة المضامين مما لا يمكن تأييده بغيره من الأخبار المعتبرة.

لكن البعض أسرف وأصر على تكثير هذه الموارد حتى عد بعض ما ليس شاهداً للضعف والوضع شاهداً عليه ... فمن ذلك أن عمار الدهني شهد يوما عند ابن أبي ليلى القاضي شهادة فقال له القاضي: قم يا عمار فقد عرفناك لا تقبل شهادتك ... إلى آخر الحكاية اللطيفةالمذطورة في (ص310 و311) من التفسير.

ثم استدل على وضعه بأن عماراً كان من العامة لا من الإمامية، قال النجاشي في ترجمة ابنه معاوية وكان أبوه ثقة في العامة وجهاً.

مع أنه لو لم يكن في مقام تكثير ما في هذا الكتاب من الأحاديث الضعاف لكان ينبغي أن يستشهد لصحة هذه الحكاية بما رواه ابن المديني عن سفيان (على ما في التهذيب التهذيب) وغيره أن بشراً ابن زياد بن مروان قطع عرقوبيه في التشيّع. هذا مضافاً إلى الفرق بين قولنا ثقة في العامة وقولنا ثقة من العامة.

وكيف كان فنحن لا ننكر وجود مناكير في هذا الموجود بأيدينا إلا أنا لا نرفع اليد عما فيه من الأحاديث المشتملة على مضامين عالية ومطالب مهمة دقيقة لطيفة نستبعد تطرق الوضع فيها وأخذها من غير المعصوم، بل نعدها ثروة علمية كبيرة عظيمة.

إذن، فما يوجد فيه من الطائفة الاُولى التي يردها ضرورة العقل أو النقل لا ريب في أنها غير صادرة عن الإمام علیه السلام ، ولا نسلم اشتمال أصل التفسير الذي رواه الصدوق عن محمد بن القاسم عليه، فيكون مدسوساً فيه أو وقع النساخ في الغلط والاشتباه أو زاد عليه بعض الجهال لاحتمال أنه منه ... وذلك لأن الكتاب الموجود لم يصل إلينا بالقراءة على الشيوخ أو السماع منهم.

وأما ما فيه من الطائفة الثانية المتملة على المعارف العالية والمطالب الدقيقة القيمة مما يوجد نظيره في أحاديثنا المروية عن ساداتنا الأئمة علیهم السلام، فنأخذها ونستشهد بها ولا نتركها ولا نهملها. فلا ينبغي لنا أن نترك هذه الثروة العلمية لمثل هذه الاحتمالات.

نعم، ما كان من رواياته في المسائل الفرعية والأحكام الشرعية فلا نحتج به في مقام الفتوى إلا إذا كان مخرجاً في مثل كتاب الفقيه الذي ثبت بالتواتر كون الموجود عندنا هو ما أله الصدوق فنعامله كما نعامل سائر ما رواه الصدوق في كتبه... .

فتخلّص من ذلك: أنا نعتبر هذا الكتاب المسمى بتفسير الإمام الحسن العسكري علیه السلام لاشتماله على طائفة من علوم أهل البيت علیهم السلام من تراثنا العلمي ولا نترك الرجوع إليه والاستفادة منه، مع ما فيه مما يعلم أنه ليس منه وأنه ألحق به. والله هو العالم بحقيقة التاريخ. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

19 جمادى الاُولى 1416 ﻫ .ق.

 

الخميس / 3 نوفمبر / 2022