پنجشنبه: 30/فرو/1403 (الخميس: 9/شوال/1445)

المبحث الثانی
فی علم الإمام
(ع)

 

وإلیك سؤال السائل العزیز بلفظه:

هل یزداد علم الإمام المعصوم­(ع) مع الأیّام؟ وهل أنّ علمه­(ع) بعد تولّیه الإمامة یختلف عنه قبل ذلك؟ وإذا كان الأمر كذلك فكیف یمكننا والحالة هذه الحكم بأفضلیّة الإمام علیّ­(ع) على الإمام الجواد­(ع) الّذی تولّى الإمامة وهو ابن تسع سنین؟

الجواب: قد عقد شیخ المحدّثین ثقة الإسلام الكلینی(قدس سرّه) فی كتاب الحجّة من الجامع الكافی أبواباً فی علومهم، منها: «باب لولا أنّ الأئمّة(ع) یزدادون لنفد ما عندهم».

وإبداء الرأی فی هذه الأبواب ـ لو لم نقل بكون بعضها من متشابهات كلامهم وأسرارهم(ع) ـ موقوف على ملاحظة جمیعها، وما فیها من الأحادیث، وردّ مجملها على مفصّلها، وظاهرها على صریحها،

 

وملاحظة أسنادها، ثمّ شرحها وتفسیرها بما لا یخالف اُصول المذهب، كأفضلیة الإمام أمیر المؤمنین­(ع) من سائر الأئمّة^، وأفضلیة رسول الله’ من الجمیع.

فلو فرض وجود حدیث معتبر یدلّ بلازمه الخفیّ مثلاً على أفضلیة بعض الأئمّة^ من أمیر المؤمنین­(ع) لا یحتجّ به؛ لأنّ المعلوم من ضرورة المذهب، وما یعرفه الخاصّ والعامّ من مذهب أهل البیت(ع)، اتّفاقهم على أفضلیّة أمیر المؤمنین من غیره من الأئمّة(ع).

فمثل هذا اللازم لیس المراد قطعاً، وهذه القرینة القطعیة تكفی فی تعیین المراد، وعدم اعتبار مثل هذه اللوازم بل الظواهر.

إذن إذا عرضت هذه الأحادیث على أهل الفنّ وعلى من له اُنس بأحادیثهم ومعرفة مذاهبهم، لا یعتنی بمثل هذه الاحتمالات، كما أنّك لا تحتمل إذا سمعت قائلاً یقول: «رأیت أسداً یرمی» أنّ مراده من الأسد هو الحیوان المفترس.

وبعد هذه المقدّمة نقول: إنّ ازدیاد علم الإمام المعصوم أمر ممكن معقول قد ورد فی الأحادیث، ولا شكّ فی أنّ الأنبیاء والأئمّة(ع) وإن عُلِّموا الأسماء كلّها، وأنّ الأئمّة^ عُلِّموا علم ما كان وما یكون،([1])

 

إلّا أنّه لا شكّ فی أنّ علم الجمیع عند علم الله لیس إلّا كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِیتُم مِن الْعِلْمِ إِلَّا قَلِیلاً([2])؛ ولذا خاطب نبیّه الّذی علَّمه ما لم یكن یعلم وقال: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِی عِلْماً﴾.([3])

فالإمام كالنبیّ فی حركته الكمالیة، وسیره إلى الله تعالى لا یقف على حدٍّ، كما أنّ السیر إلى الله تعالى، فی عین أنّه فی كلّ مرحلة من مراحله مرتبة من الوصول ونیل للمقصود، فإنّه لا نهایة له، ولا ینتهی إلى حدّ، ففی هذا

 

المسیر یسیر الإمام دائماً إلى الأمام، ولا یتساوى یوماه، بل كلّ یوم من أیّامه أفضل من أمسه، ولیس ابتداء هذا السیر من حین الولادة الجسمانیة، بل یبتدئ من حین وجوده النوری، ویستمرّ فی العوالم والنشئآت الّتی یُسار به قبل هذا العالم، كما أنّ أمده لا ینتهی بارتحاله من هذه الدنیا، ولعلّ سائر الناس من الصلحاء فی عالم البرزخ كان هذا حالهم، لا ینتهی سیرهم الكمالی بالموت العنصـری، بل یمكن أن یكون الموت لهم بحسب صلاحیاتهم وقابلیاتهم مبدأً لمثل هذا السیر، والله أعلم.

والحاصل: أنّ مثل هذا السیر لازم لكلّ سالك إلى الله، ولا نهایة له، فهو لا یزال فی حال الرجوع إلى الله تعالى: قال الله سبحانه: ﴿إِنَّا لِلّٰهِ وَإِنَّـا إِلَیْهِ رَاجِعُونَ([4])، وقال تعالى: ﴿أَلَا إِلَى اللّٰهِ تَصِیرُ الْأُمُورُ﴾.([5]) ولو فرض لسلوكه وسیره ورجوعه هذا انتهاء فلا دخل لطول حیاته العنصـریة، وقصرها فیه.

ولا یخفى علیك أنّا وإن عجزنا عن درك حقیقة هذا الشأن والعلوم الّتی تفاض على الإمام، إلّا أنّه لا وجه لاستبعاد مثل هذا الشأن لهم وكم لهم من الشؤون بل ولغیرهم ممّا لا ندرك حقیقته، ولكن نعرفه

 

بآثاره ونلمسه بعینه.

إذن فلا دخل لتولّی الإمامة وعدمه فی العلم الّذی یزداده الإمام حتى یشكل الحكم بأفضلیة الإمام علیّ­(ع) على الإمام الجواد(ع).

نعم، إنّ الأئمّة^ فی العلوم المشار إلیها بقوله سبحانه: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا([6]) وفیما هو من مؤهّلات الإمامة سواء، لا یتفاوت علمهم هذا بعد تولیة الإمامة من قبلها، ولا یزدادون فیه بتولّیهم.

وعلى هذا یدفع توهّم الإشكال فی أفضلیة الإمام علیّ­(ع) من الإمام الجواد(ع) لتولّیه الإمامة فی صغر سنّه؛ لعدم ثبوت أفضلیّته من سائر الأئمّة بذلك.

ومسألة تولِّی أمر الإمامة أمر إداریّ منظَّم یرجع إلى الحكم والإدارة، لا تنحصر شؤون الإمامة فیه، والإمام صاحب هذه الشؤون هو قبل تولّیه الإمامة كبعد تولِّیه، فمن جملة هذه الشؤون حجّیة أقواله وأفعاله فی الأحكام الشرعیة، والمعارف الإسلامیة، فهذه ثابتة له مطلقاً، ولا دخل لتولّیه الإمامة فی ذلك.

فالإمام الحسن المجتبى­(ع) إمام واُسوة، وأقواله وأفعاله وسیرته

 

وهدیه حجّة یجب الأخذ بها، ویحرم ردّها فی حیاة أبیه وقبل تولِّیه الإمامة واُمور النظام.

كما أنّ الحسین­(ع) أیضاً قبل تولِّیه الاُمور فی عصـر أبیه وعصـر أخیه كان إماماً، كما نصّ على ذلك رسول الله’ وقال: «الْـحَسَنُ وَالْـحُسَیْنُ إِمَامَانِ قَامَا أَوْ قَعَدَا».([7]) فهما إمامان حتى فی عصـر النبیّ’ وفی صغر سنّهما.

والإمام علیّ­(ع) أیضاً كان إماماً وولیّاً قبل تولِّیه الإمامة والولایة فی عصـر الرسالة أیضاً، ولا ینافی ذلك كونه مأموراً بإطاعة النبیّ’، وكون النبیّ’ متبوعاً ونبیّاً وحاكمـاً علیه، والإمام­(ع) تابعـاً له ومقتدیاً به، وواحداً من اُمّته، ومستضیئاً من أنوار علومه، ومتَّبعاً لشـریعته، وكون إمامة الإمام وسائر الأئمّة(ع) أیضاً جزءاً من شریعته ورسالاته.

ویدلّ على ذلك الحدیث الأوّل من «باب حالات الأئمّة^ فی صغر السنّ» من كتاب الحجّة من الكافی، والحدیث طویل أخرجه بإسناده عن الكناسی، قال: سألت أبا جعفر­(ع) ... ـ إلى أن قال: ـ فقلت: جعلت فداك، أكان علیّ­(ع) حجّةً من الله ورسوله على هذه الاُمّة فی حیاة رسول

 

الله’؟ فقال: «نَعَمْ یَوْمَ أَقَامَهُ لِلنَّاسِ وَنَصَبَهُ عَلَماً وَدَعَاهُمْ إِلَى وِلَایَتِهِ، وَأَمَرَهُمْ بِطَاعَتِهِ»، قلت: وكانت طاعة علیّ­(ع) واجبةً على الناس فی حیاة رسول الله’ وبعد وفاته؟ فقال: «نَعَمْ وَلَكِنَّهُ صَمَتَ فَلَمْ یَتَكَلَّمْ مَعَ رَسُولِ الله(ص)، وَكَانَتِ الطَّاعَةُ لِرَسُولِ الله(ص)  عَلَى اُمَّتِهِ وَ عَلَى عَلِیٍّ­(ع) فِی حَیَاةِ رَسُولِ اللّٰـهِ(ص)، وَكَانَتِ الطَّاعَةُ مِنَ اللّٰـهِ وَمِنْ رَسُولِهِ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ لِعَلِیٍّ­(ع) بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ الله(ص)، وَكَانَ عَلِیٌّ(ع) حَكِیماً عَالِماً».([8])

ثمّ إنّ لنا كلاماً فی المقام لا بأس بالإشارة إلیه، وهو: أنّ أفضلیة بعض الناس من بعض، وبعض الأنبیاء من بعض، وبعض الأئمّة من بعض إنّما تكون بقول مطلق فی الصفات النفسیة والخصائص الذاتیة، والتخلّق بالأخلاق الإلهیة إذا كان المفضّل فی كلّ هذه الكمالات أقوى وأفضل من غیره، أمّا فی غیرها من الفضائل فربّما لا یوجد من یكون باعتبار جمیع العناوین والأوصاف أفضل من غیره؛ فإنّ الإمام علیّ­(ع) أفضل من ابنیه سبطَی نبیّ الرحمة، من جهة أنّه ابن عم الرسول، وزوج البتول، وأبو السبطین، فلیس لهما ابن عمّ كابن عمّ أبیهما، وزوجة كزوجته، وابنان كابنیه، وهما أفضل من الإمام­(ع) من جهة أنّ لهما أباً مثل الإمام، وجدّاً مثل الرسول’، واُمّاً مثل سیّدة نساء العالمین،

 

ولیس للأمیر­(ع) هذه الفضائل، وجعفر الطیّار الشهید أفضل من أخیه الإمام، من جهة أنّ له أخاً كالإمام، ولیس للإمام أخٌ كأخی جعفر(رحمة الله علیه).

ومسألة تولّی الإمام الجواد­(ع) الإمامة فی صغر السنّ فضیلة، وإن شئت قل: أفضلیّةٌ من هذا القبیل، فالإمام أبو الحسن الرضا­(ع) استشهد وابنه الإمام الجواد­(ع) فی صغر السنّ لابدّ له من تولّی الإمامة بعد أبیه، وقیامه مقامه؛ لأنّه وسائر الأئمّة(ع) فی مؤهّلات تولّی الأمر فی حال صغرهم وكبرهم سواء.

ومن هنا یعلم أنّ نبوّة عیسى ویحیى فی صغرهما وكونهما صبیَّین لا یدلّ على أفضلیّتهما من غیرهما من الأنبیاء؛ لأنّ نبوّتهما فی حال الصغر لیس لأنّهما استأهلا لذلك وغیرهما ممّن صار نبیّاً بعد ما بلغ أشُدَّه لم یستأهل لذلك فی حال الصغر، بل ربّما ذلك كان لحكمة ومصلحة اقتضت ذلك فیهما، وتلك فی غیرهما، فبقاء النبیّ فی القوم أربعین سنة، وظهور صدقه وأمانته، ومكارم أخلاقـه فی الناس ربّما كان هی المصلحة الموجبة لتأخّر بعثه ومأموریته للدعوة إلى الله تعالى، كما ربّما یكون ذلك لحصول الاستعداد اللازم فی الناس لقبول الإسلام، وغیر ذلك من المصالح الّتی لا یعلمها إلّا الله والراسخون فی العلم ﴿اللّٰهُ أَعْلَمُ حَیْثُ یَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾.([9])

 

 

 

([1]) عقد فی الكافی باباً بهذا العنوان: «باب أنّ الأئمّة^ یعلمون علم ما كان وماZ [یكون، وأنّه لا یخفی علیهم الشیء»، الکلینی، الکافی، ج1، ص260. كما عقد باباً بهذا العنوان: «باب أنّ الأئمّة^ یعلمون جمیع العلوم الّتی اُخرجت إلى الملائكة والأنبیاء والرسل^»، الکلینی، الکافی، ج1، ص255. وقال مولانا أمیر المؤمنین× على ما فی نهج البلاغة: «وَاللّٰـهِ لَوْ شِئْتُ أَنْ اُخْبِرَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَخْرَجِهِ وَمَوْلِجِهِ وَجَمِیعِ شَأْنِهِ لَفَعَلْتُ، وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَكْفُرُوا فِیَّ بِرَسُولِ اللّٰـهِ|، أَلَا وَإِنِّی مُفْضِیهِ إِلَى الْـخَاصَّةِ مِمَّنْ یُؤْمَنُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَالَّذِی بَعَثَهُ بِالْحـَقِّ وَاصْطَفَاهُ عَلَى الْـخَلْقِ مَا أَنْطِقُ إِلَّا صَادِقاً، وَقَدْ عَهِدَ إِلَیَّ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَبِمَهْلِكِ مَنْ یَهْلِكُ وَمَنْجَى مَنْ یَنْجُو، وَمَآلِ هَذَا الْأَمْرِ، وَمَا أَبْقَى شَیْئاً یَمُرُّ عَلَى رَأْسِی إِلَّا أَفْرَغَهُ فِی أُذُنَیَّ وَأَفْضَـى بِهِ إِلَیَّ‏»؛ نهج البلاغة، الخطبة 175 (ج2، ص89 ـ 90). وقال×: «فَاسْأَلُونِی قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِی فَوَ اللّٰـهِ الَّذِی نَفْسِی‏ بِیَدِهِ‏ لَا تَسْأَلُونِی‏ عَنْ‏ شَیْ‏ءٍ فِیمَا بَیْنَكُمْ وَبَیْنَ السَّاعَةِ وَلَا عَنْ فِئَةٍ تَهْدِی مِائَةً وَتُضِلُّ مِائَةً إِلَّا أَنْبَأْتُكُمْ بِنَاعِقِهَا وَقَائِدِهَا وَسَائِقِهَا وَمُنَاخِ رِكَابِهَا وَمَحَطِّ رِحَالِهَا وَمَنْ یُقْتَلُ مِنْ أَهْلِهَا قَتْلاً وَیَمُوتُ مِنْهُمْ مَوْتًا». نهج البلاغة، الخطبة 93 (ج1، ص182 ـ 183).

([2]) الإسراء، 85.

([3]) طه، 114.

([4]) البقرة، 156.

([5]) الشورى، 53.

([6]) البقرة، 31.

([7]) الصدوق، علل الشـرائع، ج1، ص211؛ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبی طالب، ج3، ص163؛ المجلسی، بحار الأنوار، ج43، ص291، ح 54.

([8]) الکلینی، الكافی، ج1، ص382 ـ 383، ح1.

([9]) الأنعام، 124.

موضوع: 
نويسنده: