جمعه: 7/ارد/1403 (الجمعة: 17/شوال/1445)

بسم الله الرّحمن الرّحیم

والحمد لله ربّ العالمین، وصلّى الله على سیّد المرسلین أبی القاسم محمد، وآله الطاهرین.

أخرَجَ جمعٌ من أرباب المسانید والسنن وجوامع الحدیث: كأحمد، وأبی داود، وابن ماجة، وابن حبّان، والترمذی، والنسائی، والبغوی، والدارمی، أحادیث عن رسول الله(ص)، أنّ اُمّته ستفترق على ثلاث وسبعین فِرقة:

منها: ما لا نصّ فیه على الهالكة من الفرق والناجیة منها.([1])

ومنها: ما فیه أنّ واحدة منها فی الجنّة والباقین فی النار.([2])

وفی بعضها: أنّ كلّها فی الجنّة إلّا الزنادقة.([3])

وعن الشمس محمد بن أحمد بن بشّار المقدّسی فی أحسن التقاسیم: أنّ حدیث «اِثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ فِی الجْنَّةِ، وَوَاحِدَةٌ فِی النَّارِ» أصحّ إسناداً،

 

وحدیث «اِثْنَتَانِ وَسَبْعوُنَ فِی النَّارِ وَوَاحِدَةٌ نَاجِیَةٌ»، أشهر.([4])

ومنها: ما لا تعرّض فیه لتعیین الهالكة والناجیة.([5])

وفی بعضها: أنّ الناجیة هی الجماعة،([6])وفی البعض الآخر: أنّه قال(ص): «مَا أَنَا عَلَیْهِ وَأَصْحَابِی».([7])

وفی بعضها كروایة أخرجها أخطب خوارزم موفّق بن أحمد المكّی، وابن مردویه ـ على ما حكی عنه ـ عن علیّ(ع)،([8]) وحدیث رواه الحافظ محمد بن موسى الشیرازی فی الجمع بین التفاسیر العشرة،([9])عن أنس بن مالك: «تَفْتَرِقُ هَذِهِ الْاُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعینَ فِرْقَةً، ثِنْتَانِ وَسَبْعوُنَ فِی النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِی الجْنَّةِ، وَهُمُ الَّذِینَ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنٰا أُمَّةً یَهْدُونَ بِالْـحَقِّ وَبِهِ یَعْدِلُونَ﴾،([10]) وَهُمْ أَنَا وَشیعَتی».

 

وأخرج الإمام الحافظ حسن بن محمد الصغانی المتوفّى سنة ( 650 ه‍ ) فی الشمس المنیرة: «اِفْتَرَقَتْ اُمَّةُ أَخِی موُسَى إِحْدَى وَسَبْعینَ فِرْقَةً، وَافْتَرَقَتْ اُمَّةُ أَخی عیسَى عَلَى اثْنَتَیْنِ وَسَبْعینَ فِرْقَةً، وَسَتَفْتَرِقُ اُمَّتی عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعینَ فِرْقَةً، كُلُّها هَالِكَةٌ إِلَّا فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ»، فلمّا سمع ذلك منه ضاق المسلمون ذرعاً وضجّوا بالبكاء، وأقبلوا علیه وقالوا: یا رسول الله، كیف لنا بعدك بطریق النجاة؟ وكیف لنا بمعرفة الفرقة الناجیة حتى نعتمد علیها؟ فقال(ص): «إِنِّی تَارِكٌ فیكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا مِنْ بَعْدی أَبَداً: كِتَابَ اللّٰـهِ وَعِتْرَتِی أَهْلَ بَیْتِی، إِنَّ اللَّطیفَ الخْـِبیرَ نَبَّأَنِی أنَّهُمَا لَنْ یَفْتَرِقَا حَتَّى یَرِدَا عَلَیَّ الْـحَوْضَ».([11])

وأخرج ابن أبی حاتم، عن علیّ بن أبی طالب(ع)، قال: «اِفْتَرَقَتْ بَنُو إِسْرَائیلَ بَعْدَ مُوسَى إِحْدَى وَسَبْعینَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِی النَّارِ إِلَّا فِرْقَةً، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى بَعْدَ عِیسَى عَلَى اثْنَتَیْنِ وَسَبْعینَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِی النَّارِ إِلَّا فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِینَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِی النَّارِ إِلَّا فِرْقَةً، فَأَمَّا الْیَهُودُ فَإِنَّ اللهَ یَقُولُ: ﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ یَهْدُونَ بِالْـحَقِّ وَبِهِ یَعْدِلُونَ﴾([12])

 

وَأَمَّا النَّصَارَى فَإِنَّ اللهَ یَقُولُ: ﴿مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ﴾؛([13]) فَهَذِهِ الَّتی تَنْجُو. وَأَمَّا نَحْنُ فَیَقُولُ: ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمّةٌ یَهْدُونَ بِالْـحَقِّ وَبِهِ یَعْدِلُونَ﴾،([14]) فَهَذِهِ الَّتی تَنْجُو مِنْ هَذِهِ الْاُمَّةِ».([15])

ویُستفاد من بعضها أنّ الهالكة قوم یقیسون الاُمور برأیهم، وهو ما رواه الحاكم فی المستدرك([16])، كتاب الفتن والملاحم، وصحّحه على شرط البخاری ومسلم، عن عوف بن مالك، قال: قال رسول الله(ص): «سَتَفْتَرِقُ اُمَّتِی عَلَى بِضْعٍ وَسَبْعینَ فِرْقَةً، أَعْظَمُهَا فِرْقَةٌ یَقیسوُنَ الْاُموُرَ بِرَأْیِهِمْ، فَیُحَرِّموُنَ الْـحَلَالَ، وَیُحَلِّلوُنَ الحْرَامَ».([17])

 

 

 

([1]) ابن ‌ماجة القزوینی، سنن، ج2، ص1321، رقم 3991.

([2]) المتّقی الهندی، کنز العمّال، ج11، ص183.

([3]) العجلونی، کشف الخفاء، ج1، ص150.

([4]) المقدسی، أحسن التقاسیم، ص39.

([5]) الثعلبی، الکشف والبیان، ج4، ص311؛ ابن البطریق، عمدة عیون صحاح الأخبار، ‌ص75؛ المتّقی الهندی، کنز العمّال، ج1، ص376، ح 1637.

([6]) ابن ماجة القزوینی، سنن، ج2، ص1322، رقم 3993؛‌ أبو داود السجستانی، سنن، ج2، ص390.

([7]) الترمذی، سنن،‌ ج4، ص135؛ العینی، عمدة القاری، ج18، ص139.

([8]) ابن مردویه الأصفهانی، مناقب علیّ بن أبی طالب(ع)، ‌ص244؛ الخوارزمی، المناقب، ص331.

([9]) الخوانساری، روضات الجنّات، ج2، ص288.

([10]) الأعراف، 181.

([11]) نقلنا الحدیث عن النسخة المخطوطة من هذا الکتاب،‌ الموجودة فی مکتبة «آستان قدس» برقم 1706.

([12]) الأعراف، 159.

([13]) المائدة، 66.

([14]) الأعراف، 181.

([15]) السیوطی، الدرّ المنثور، ج3، ص136.

([16]) الحاکم النیسابوری، المستدرك، ج4، ص430.

([17]) وإن شئت الاطّلاع على سند هذا الحدیث من طرق أهل البیت(ع)، وما ورد عنهم فی تفسیره، وكلمات أكابر العلماء وتحقیقاتهم الشافیة حول هذه الأحادیث، راجع موسوعة بحار الأنوار، الجزء 28 من الطبعة الحدیثة (ص2 ـ 36)، باب افتراق الاُمّة بعد النبیّ(ص) على ثلاث وسبعین فرقة. وما أفرده بعض علمائنا بالتألیف حول هذا الحدیث.

نويسنده: 
کليد واژه: