سه شنبه: 29/اسف/1402 (الثلاثاء: 9/رمضان/1445)

الأمر الأوّل
الخلط بین الحكم الشرعی والفتوى

 

قال: «لیس لکلّ الأحكام والفتاوى الإسلامیة حصانة من تغیّرها حسب الزمان والمكان، والظروف الّتی تمرّ ببیئة المسلم ومجتمعه».

فتراه خلط بین الحكم والفتوى ولم یفرّق بینهما، مع أنّ الأحكام الشرعیة لا تتغیّر وهی ثابتة باقیة، وفعلیتها متقوّمة بوجود موضوعاتها فی الخارج، كما أنّها باقیة ببقائها، سواء فی ذلك أحكام الشـریعة الإسلامیة وأحكام الشرائع السابقة، غیر أنّ الثانیة قد نالتها ید النسخ دون الاُولى، فلا تنالها ید النسخ أبداً لخاتمیة دین الإسلام، فلا یأتی بعده حكم جدید من السماء، وحلاله حلال إلى یوم القیامة، وحرامه حرام إلی یوم القیامة.

نعم لو أراد بالحكم الأحكام السلطانیة الموقّتة المنشأة فی موارد الضـرورة وتزاحم الأحكام والّتی یدور بقاؤها مدار الضـرورة الّتی أوجبتها، لصحّ ذلك؛ لأنّها بطبیعتها تقتضی التغیّر، ولكنّ الظاهر من

 

کلامه إرادة غیر ذلك أو أعمّ من ذلك، أو القول بكون الأحكام کلّها إلّا ما کان منصوصاً علیه فی القرآن من الأحكام السلطانیة، فلا یكون ما صدر عن الرسول| من الأحكام الشرعیة.

وإن أراد من الحكم الأحكام القضائیة فهی وإن کانت تقبل التغییر والنقض أیضاً  كما هو مذكور فی كتاب القضاء كما لو تبیّن للقاضی خطؤه، إلّا أنّ کلامه لا یشمل ذلك، والظاهر من کلامه نفی کلّیة حصانة جمیع الأحكام الشـرعیة عن التغییر، والقول بتغییرها فی الجملة على نحو الموجبة الجزئیة، ولكنّ العقل والنقل والضرورة وخاتمیة الدین تدلّ على عدم جواز وقوع أیّ تغییر فی الأحكام الشرعیة، فلا یجمع بینها وبین الفتاوى بنفی الحصانة عنها، والحكم بجواز تغییرها فی الجملة.

وأما الفتوى الّتی هی نتیجة اجتهاد المجتهد ونظره فی الأدلّة من العامّ والخاصّ، والمطلق والمقیّد، والمجمل والمبیّن، والاُصول اللفظیة، والاُصول العملیة وغیرها، واستنباط حكم الشـرع منها فهی قابلة للتغییر، ولیس من لوازمها الثبات، لعدم حصانة المجتهد من الاشتباه والخطأ فی اجتهاده، فربّما یفتی المجتهد مثلاً بإطلاق أو عموم، أو بالبراءة من التکلیف لعدم عثوره على مقیّد للإطلاق أو مخصّص للعموم، أو دلیل على التکلیف مع الفحص المتعارف، ثمّ یطّلع على

 

الدلیل المقیّد للإطلاق، أو المخصّص للعموم، أو الدالّ على التکلیف ممّا یستظهر به خطؤه وبطلان فتواه، فیرجع لا محالة عن فتواه الاُولى ویتغیّر رأیه لا من جهة أنّ الحكم الّذی أفتى به تغیّر، بل لظهور أنّ الحكم الشرعی لم یكن على ما أفتى به.

فالرأی الاجتهادی حیث إنّه یحصل من الظنّ المعتبر الحجّیة بحكم العقل والشرع، یجب اتّباعه عملیّاً ما دام لم یكشف خلافه، أمّا لو انكشف خلافه فیؤخذ بالظنّ المعتبر الّذی قام على خلافه، ولیس هذا من تغییر حكم الله‏ فی شیء، فحكم الله‏ تعالى واحد إلّا أنّ اجتهاد المجتهد ورأیه یتغیّر إذا ظهر له خطأه وعدم إصابته حكم الله‏ تعالى.

وبعبارة اُخری: إنّ الطریق الّذی یقوم عند المجتهد للوصول إلی الواقع قد یؤدّی إلیه وقد لا یؤدّی إلیه على مذهب المخطِّئة القائلین: بأنّ حكم الله‏ الواقعی للجمیع من الجاهل به والعالم سواء، فللمصیب أجران وللمخطئ أجر واحد.

أمّا على قول المصوِّبة القائلین: بتعدّد أحكام الله‏ تعالى بتعدّد ظنون المجتهدین وآرائهم تبعاً لما یقوم عندهم من ‏الطرق، فلابدّ من القول بتحمّل الواقعة الواحدة حكمین متخالفین بسبب تخالف ظنون المجتهدین أو تغیّر ظنّ المجتهد الواحد، وهذا أیضاً غیر تغیُّر حكم الله

 

‏ تعالى، بل هو نظیر انتفاء موضوع حكم وتحقّق موضوع حكم آخر.

نعم أصل مسألة التصویب محلّ إشكال؛ لاستلزامه الدور المحال، واستلزامه دخالة ظنّ المجتهد أو علمه بالحكم، فی وجود الحكم.

وهنا کلام فی التفصیل بین الأدلّة الظنّیة القائمة لتعریف أصل التکلیف وبیانه، وبین الأدلّة الظنّیة المبنیّة لشـرائط التکلیف وأجزائه، مثل شرائط الصلاة وأجزائها نفیاً وإثباتاً، ذكرناه فی الاُصول ولا نطیل ببیانه هنا؛ لأنّ النتیجة على  کلّ صورةٍ أنّ حكم الله‏ تعالى لا یتغیّر وإن تغیّرت فتوى المجتهد فیه.

 

موضوع: 
نويسنده: