سه شنبه: 29/اسف/1402 (الثلاثاء: 9/رمضان/1445)

الأمر التاسع
باب الاجتهاد مفتوح للجمیع إلی یوم القیامة

 

من الأخطاء الكبیرة القول بسدّ باب الاجتهاد وحصـر المذاهب الفقهیة فی الأربعة المعروفة، وإلزام العامّیّ بتقلید أحد أرباب هذه المذاهب، وإلزام المجتهد أن یكون مجتهداً فی الفقه المنسوب إلی واحد منهم، فیسلبونه بذلك حرّیّة التفكیر والاجتهاد الحرّ، والنظر فی الأدلّة من الكتاب والسنّة، والإفتاء بما یؤدّی إلیه نظره وإن خالف جمیع المذاهب، كما یسلبون بذلك العامیّ حرّیّته فی التقلید، فلا یجوّزون له تقلید مجتهد إذا خالف رأیه فی المسألة رأی فقهاء هذه المذاهب، وإن کان موافقاً لرأی كثیر من الصحابة والتابعین، والفقهاء الّذین کانوا قبل هذه المذاهب الأربعة!

لقد جعلوا هذه الاُمّة بذلك شیَعاً مختلفین متفرّقین، وأحدثوا بهذه البدعة فتن الطوائف الشافعیة والحنابلة والأحناف والمالكیة، الّتی تسبّبت فی حدوث حروب دامیة بینهم، لا یتّسع المجال لذكر بعضها.

 

ولیت شعری ما مرادهم بأنّ فلاناً مجتهد حنفی أو شافعی، أو أو....؟ فإن كان مرادهم أنّه مجتهد فی فقه فلان وأنّه یعرف آراءه وفتاواه من النظر فی کلماته، فلا یخلو إمّا أن یقدر هو بنفسه على استنباط الأحكام الشـرعیة من الكتاب والسنّة فهو مجتهد والحجّة له، ولمن یأخذ بفتواه اجتهاده الشخصـی لا اجتهاد الشافعی مثلاً، فهو مجتهد مثل الشافعی، مستقلّ بآرائه وفتاواه، وإن خالف فیها سائر الفقهاء.

وإن کان لا یتمكّن من الاجتهاد فهو عامّی یجب علیه تقلید المجتهد الجامع لشرائط التقلید والإفتاء كائناً من کان، أو علیه الاحتیاط فی الفروع.

لقد خسرت الاُمّة الإسلامیة بسبب قول إخواننا السنّیّین بسدّ باب الاجتهاد آراء علمیة دقیقة، وفتاوى هامّة مفیدة، کان بإمكانهم أن یستنبطوها من الكتاب والسنّة بحرّیّة تفكیرهم، لولا هذه المقولة الّتی جعلوها دیناً یدان به، بینما نرى مذهب الإمامیة شیعة أهل البیت^ ما زال ببركة فتح باب الاجتهاد والبحث الحرّ فی الكتاب والسنّة ینمو فقهه ویزداد قوّةً وعمقاً وسعةً، وما زال یظهر منهم فی کلّ عصـر فقهاء كبـار ینتقـدون آراء الفقهاء الماضیـن، ویصلـون بالتعمّق فی الكتاب والسنّة إلی ما لم یصل إلیه المتقدّمون.

 

والّذی یسهّل الخطب أنّه بفضل جهود جمع من أكابر فقهاء إخواننا السنّة، وإدراكهم عمق الخسارة الّتی تسبّب فیها سدّ باب الاجتهاد، قد تزلزل هذا البناء الّذی بُنی لأغراض سیاسیة، وسیأتی زمان إن شاء الله‏ تعالى لا ترى بفضل جهود المصلحین المخلصین هذا التفرّق المذهبی، ولا یبقى من العلماء المجتهدین من ینسب نفسه إلی الشافعی أو مالك أو أبی حنیفة أو أحمد، بل یتّبع اجتهاده واستنباطه هو؛ لأنّه لم تدلّ آیة ولا روایة على أنّهم أولى من غیرهم ممّن یأتی بعدهم، وأنّ اجتهادهم أقوى من اجتهاد مجتهدی عصـرنا، فهم واجتهادهم ونحن واجتهادنا، والباحث یعرف قصّة هذا الحصر فی الاجتهاد الّذی لم یكن فی عصـر الرسول| ولا فی عصر الصحابة، إلّا أنّ أرباب السیاسة خافوا أن یؤدّی فتح باب الاجتهاد إلی ظهور شخصیّات علمیة مرموقة، فلا یكون لهم بدّ من الخضوع لفقههم وآرائهم وزعامتهم الدینیة، الأمر الّذی یتعارض مع سلطتهم الاستبدادیة، وأنظمتهم الكسـرویة والقیصریة، لأنّ العلماء إذا ملكوا القلوب یقومون بواجبهم، ویأمرون بالمعروف، وینهون عن المنكر والظلم والاستبداد والاستعباد.

وهؤلاء علماء الإمامیة بفضل‏نعمة فتح باب‏الاجتهاد، وما یترتّب علیه من وجود مرجعیة دینیة نافذة القول فی قلوب الناس، ترى منهم

 

رجالاً فی کلّ عصـر یحرسون الإسلام ویُبَلِّغون رسالته، ویأمرون بالمعروف وینهون عن المنكر، ویقفون فی وجه ظلم الحُكّام والاُمراء، وربما ثاروا على المستكبرین الجبّارین، وبذلك یؤكّدون على أنّ الدین هو العقیدة والسیاسة والنظام والقضاء والعبادة والأخلاق، وأنّه یجب أن یكون رجالات الدین رجالات السیاسة والإدارة والحكومة، لا تنفصل الاُولى عن الثانیة، بل السیاسة من الدین داخلة فیه دخول الجزء فی الکلّ، فالحكومة الشرعیة الرشیدة هی الحكومة الّتی یتولّاها الفقیه مباشرة أو یكون تحت رعایته وإرشاده وأمره ونهیه.

هذا وقد عرفت أنّ فقهاء الشیعة مع قولهم بفتح باب الاجتهاد اتّفقوا خلفاً عن سلف على ثبات أحكام الله‏ تعالى، ولا یجوّزون تغییر أیّ حكم من أحكام الله‏ تعالى لأحد حتى لأئمّتهم الّذین یقولون بعصمتهم، ومع أنّ فقهاء الإمامیة لا یقولون بالرأی والقیاس بل یفتون بالكتاب والسنّة فی المسائل المستحدثة كغیرها، ویرون أنّ ما أدّى إلیه اجتهادهم حكم الله‏ تعالى الّذی لا یتغیّر أبداً، إلّا أن ینكشف خطؤهم فی إصابته.

 

 

موضوع: 
نويسنده: