شنبه: 8/ارد/1403 (السبت: 18/شوال/1445)

الاعتقاد
فی باب الحساب والمیزان

 

لا یظهر فی هذا الباب اختلاف بین هذین العالـمین العلمین أیضاً، إلّا أنّ الشیخ أبا عبد الله فی كتابیه تصحیح الاعتقاد و أوائل المقالات قال: «إنّ ‏الحساب هو المقابلة بین الأعمال والجزاء علیها والمواقفة للعبد على ما فرّط منه»،([1]) وأراد به أن یختصّ أصحاب المعاصی من أهل الإیمان وقال: «وأمّا الكفّار حسابهم وعقابهم على حسب الاستحقاق، ویوفّى المؤمنون أجرهم بغیر حساب».([2])

وقال: ولیس هو ـ أی الحساب ـ كما ذهب العامّة إلیه من مقابلة الحسنات بالسیّئات والموازنة بینهما، على حسب استحقاق الثواب والعقاب علیهما، إذ كان التحابط بین الأعمال غیر صحیح.

وأنكر ما ذهب إلیه أهل الحشو من أنّ فی القیامة موازین كموازین

 

الدنیا، لکلّ میزان كفّتان توضع الأعمال فیها؛ إذ الأعمال أعراض والأعراض لا یصحّ وزنها.([3]) وبدیهیّ أنّ المطالب فی هذه المقولة مرجع السمع، وهی تستفاد من ظواهر القرآن والأحادیث الشـریفة، ویمكن أن یكون المراد من وزن العمل هو وزن المثال، كما هو مذكور فی باب تجسّم الأعمال، وهی اُمور خفیت حقائقها علینا، فلا یمكن إنكارها بمثل هذا المعیار: «الأعمال أعراض والأعراض لا یصحّ وزنها».

وإجمالاً: ما یمنع أن تكون هناك موازین تزان فیها الأعمال لیعلم موافقتها من مخالفتها للأوامر والنواهی، ولیوزن صاحب العمل، أو العمل نفسه مع سجلّ العمل وصحائف الأعمال، وقد وردت عندنا فی باب تجسّم الأعمال روایات تقول: بتجسّم العمل الّذی یقول عنه: إنّه عرض، فیبدو فی صورة حسنة جمیلة،([4]) وإلیه أشارت الآیة الكریمة: ﴿فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَیْراً یَرَهُ﴾.([5])

ویحتمل أن یكون المراد منه أنّ العمل نفسه یحفظ، كما یلاحظ الیوم فی التلفاز، مع أنّ صاحب العمل ترك مكانه مثلاً، أو أنّه قد مات لكن

 

عمله یعرف فی التلفزة.

ویحتمل أن یكون المراد منه سجلّ الأعمال، أو یكون المراد جزاء العمل الثواب، أو العقاب علیه. فکلّ هذه الاُمور محتملة، ولا ینبغی أن یقال: إنّ الصوت لا یسمع فی ذلك العالم، مع أنّه قد أمكن سمعه فی هذا العالم.

والخطأ الّذی وقع فیه بعض المتکلّمین هو أنّ هذه الاُمور الّتی أخبر عنها الوحی والنبى|، جعلوها محلّا للمناقشة والرفض والقبول بسلسلة من المعلومات الناقصة عندهم، ثمّ أرادوا أن یزنوا الأشیاء الضخمة الهائلة، بمیزان توزن فیه الأشیاء الیسیرة، شأن من یرید أن یَزِن الكرات والمجرّات بمیزان أعدّه للبطّیخ مثـلاً، أو العكس من ذلك، كمن یَزِن الذهب بمیزان یوزن فیه الصخر الّذی اجتلب من ظهور الجبال!

وعلى کلّ حال فإنّ الصدوق والمفید کلیهما متّفقان على أنّ النبیّ الأكرم| والأئمّة من أهل بیته^ هم المتولّون أمر الحساب.

 

 

([1]) المفید، تصحیح اعتقادات الإمامیة، ص114.

([2]) المفید، اوائل المقالات، ص78 ـ 79.

([3]) المفید، تصحیح اعتقادات الإمامیة، ص114.

([4]) الطبری، جامع البیان، ج11، ص117؛ النسفی، تفسیر، ج2، ص119؛ الفخر الرازی، التفسیر الکبیر، ج17، ص141؛ المتّقی الهندی، کنز العمّال، ج14، ص366.

([5]) الزلزال، 7.

موضوع: 
نويسنده: