جمعه: 7/ارد/1403 (الجمعة: 17/شوال/1445)

جبران الخسارة بربح تجارة اُخرى

مسألة 75: إذا كان شغله البیع والشـراء للاسترباح والاكتساب فخسـر فی مورد بتلف رأس ماله أو بعضه، وربح فی مورد آخر، فهل ینجبر الخسران بالنفع فلا  یكون الخمس فیما یقابل الخسـران من النفع، أو لا؟

 

للمسألة صور:

إحداها: أن یكون ذلك فی أفراد من نوع واحد، كما إذا خسر الحنّاط مثلاً فی مورد وربح فی مورد آخر، أو بائع الأدویة خسـر فی اشترائه أو بیعه دواءً من عمرو وربح فی اشترائه أو بیعه دواءً من زید، أو خسـر فی معاملته فی الصیف وربح فی الشتاء، فلا  إشكال فی أنّه یجبر الخسران بالربح إذا كانا فی سنة واحدة، من غیر فرق بین تقدّم الخسـران على الربح أو العكس؛ وذلك لعدم صدق الغنیمة على مثل ذلك الربح، بل عدم صدق الربح؛ لأنّه فی هذا المثال یكون الاعتبار على مجموع الخسـران والربح، فلا  یكون مثله مخاطباً لقوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَیْء فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبَى﴾.([1])

ثانیتها: الصورة المذكورة إذا تحقّقت فی عامین فخسر فی العام الأوّل وربح فی الثانی، ففی هذه الصورة لا یجبر الخسران الأوّل بالربح الثانی.

ثالثتها: أن فرّق رأس ماله فی أنواع من التجارات، فتارةً جعله فی تجارة الحنطة واُخرى فی الأثمار وثالثةً فی الأقمشة ورابعةً جعل بعضه فی هذا النوع وبعضه فی النوع الآخر وهكذا، الظاهر أنّ فی هذا أیضاً یجبر بعضها بربح بعض. ولا فرق بینها وبین الصورة الأولى إذا كان الخسران والربح فی سنة واحدة، ولا فرق بینها وبین الصورة الثانیة إذا كانا فی عامین.

رابعتها: أن یكون لكلّ نوع من أنواع اكتسابه رأس مال مستقلّ ونظام

 

وحساب مستقلّ، فهل لا یجبر صاحب الجمیع النقص الوارد فی رأس مال هذا النوع بنفع النوع الآخر؟ فهو حنّاط وحدّاد وبزّاز، وفی مثل ذلك هل یجوز التمسّك بإطلاق الآیة الكریمة ویقال بشمولها لهذه الصورة أو أنّه لا یخلو من إشكال، لأنّه لم یبقَ بعد جبر الخسائر بالمنافع فائدة، أو أنّه بعد جبر بعض الخسائر یبقی البعض الآخر بلا جابر فهل یعدّ صاحبه رابحاً؟ ولو شككنا فی صدق الغنیمة والفائدة على مثل هذا الربح، فمقتضـی الأصل البراءة عن وجوب تخمیسه، إلّا أنّ الاحتیاط حسن فی كلّ حال، والله هو العالم.

مسألة 76: فیها فروع:

الأوّل: ظاهر الأدلّة من الكتاب والسنّة: أنّ الخمس متعلّق بالعین، مثل قوله تعالى: ﴿فَأَنَّ ل‍لّٰهِ خُمُسَهُ﴾ فهو ظاهر فی أنّ له تعالى خمس العین، وصرفه عن ظاهره محتاج إلى القرینة. وهذا ظاهر أكثر النصوص الدالّة على وجوب الخمس. هذا مضافاً إلى أنّ الظاهر منهم أیضاً إجماعهم على ذلك.

الثانی: الظاهر تسالمهم على أنّ المالك مخیّر بین دفع خمس العین أو دفع قیمته، ولم أجد روایة تدلّ بالخصوص أو الإطلاق والعموم على التخییر وكفایة دفع القیمة. نعم، استدلّ بعض الأعلام بصحیحة البرقی قال:

«كتبت إلى أبی جعفر الثانی×: «هل یجوز أن اُخرج عمّا یجب فی الحرث من

 

الحنطة والشعیر وما یجب على الذهب دراهم قیمة ما یسوى، أم لا یجوز إلّا أن یخرج من كلّ شیء ما فیه؟ فأجاب×: أیّما تیسّر یخرج».([2])

فإنّ صدر السؤال وإن كان ظاهراً فی الزكاة إلّا أنّ السؤال الثانی مطلق یشمل الخمس أیضاً.

ولكنّ الظاهر أنّ الّذیل بقرینة الصدر راجع إلى الزكاة، لا إلی الأعمّ منها ومن الخمس.

اللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ ظاهرهم إلحاق الخمس بالزكاة فی هذه المسألة بإلغاء خصوصیّة الزكاة فی ذلك. ولكن لا یخلو من الضعف. فالعمدة فی ذلك تسالمهم واستقرار السیرة علیه. ولكنّ القدر المتیقّن من ذلك دفع القیمة بالنقود دون الأجناس والعروض.

الثالث: لا یجوز التصرّف فی مجموع العین قبل أداء الخمس، سواء كان بالفعل الخارجی كركوب السیّارة أو لبس اللباس أو بالمعاملة كبیعها. نعم، التصرّفـات الخارجیة حرام تكلیفاً وتوجب الضمان وضعاً، وأمّا مجرّد البیع فلا  یجوز وضعاً، أی لا یتحقّق البیع ویكون بالنسبة إلى الخمس فضولیاً، فإن أجازه الفقیه یقع لأرباب الخمس، وإلّا فیبقى الخمس على حاله فی ملك أربابه، فإن كان فی ید المشتری

 

یستردّ منه ولیّ الخمس، وإن تلف فی یده فلولیّ الخمس الرجوع إلیه أو إلى البائع على التفاصیل والفروع المذكورة فی باب تعاقب الأیادی.

الرابع: ما ذكر من عدم جواز التصرّف فی المجموع إنّما هو الحكم بعد مضیّ الحول واستقرار الخمس، أمّا قبله فیجوز له التصـرّف فی المجموع بالتجارة معه وتبدیله بعین آخر، بل تفویت عینه بصرفه فی مؤونته، والله هو العالم.

 

([1]) الأنفال، 41.

([2]) الکافی، ج3، ص559؛ من لا یحضـره الفقیه، ج2، ص32؛ وسائل الشیعة، أبواب زكاة الغلات، ب9، ح1، ج6، ص131 ـ 132؛ ورد أیضاً فی أبواب زكاة الذهب والفضّة، ب14، ح1، ج6، ص114.

موضوع: 
نويسنده: