جمعه: 7/ارد/1403 (الجمعة: 17/شوال/1445)

الفصل الأوّل:
فی أصالة البراءة

قال فی الكفایة فی تعریف الاُصول العملیة: «المقصد السابع: فی الاُصول العملیّة، وهی الّتی ینتهی إلیها المجتهد بعد الفحص والیأس عن الظفر بدلیل... إلخ».([1])

ولا یخفى: أنّه حیث جعل تمایز العلوم بتمایز الأغراض الداعیة إلى التدوین، وجعل الغرض من علم الاُصول معرفة القواعد الّتی یمكن أن تقع فی طریق الاستنباط، أو الّتی ینتهی إلیها المجتهد فی مقام العمل، أشار هنا بأنّ كون مسائل الاُصول العملیّة من هذا العلم إنّما هو باعتبار كونها ممّا ینتهی إلیها المجتهد بعد الفحص والیأس عن الظفر بدلیل. وقد أشبعنا الكلام فی ما هو الملاك الاُصولیة المسألة عند التعرّض لموضوع العلم (وهو الحجّة فی الفقه) فلا نعیده فی المقام، ومنه نعلم دخول هذه المسألة فی مسائل هذا العلم، فراجع.

وقد أوردنا على ما أفاد بقوله: «فإنّ مثل قاعدة الطهارة... إلخ»([2]) بعدم كون قاعدة الطهارة من الأحكام الكلّیة، لاختصاصها بالشبهات الموضوعیة.

فأجاب+: بأنّها وإن كانت كذلك إلّا أنّ الطهارة حیث تكون ممّا لا یعلم حقیقتها

 

إلّا من قبل الشرع تكون بهذا الاعتبار من الأحكام الكلّیة.([3]) وكیف كان، فالبحث عنها لیس بمهمّ؛ لعدم جریانها فی جمیع الأبواب بخلاف الأربعة (أی البراءة والاحتیاط والتخییر والاستصحاب).

وأفاد بقوله: «لو شكّ فی وجوب شیء أو حرمته ولم تنهض علیه حجّة، جاز شرعاً وعقلاً ترك الأوّل وفعل الثانی...»إلخ،([4]) أن لا حاجة إلى عقد مسائل متعدّدة بعد وحدة الملاك،([5]) كما فعل الشیخ+،([6]) فإنّه قد تكلّم أوّلاً فی الشبهة التحریمیة فی ضمن مسائل أوّلها فیما لا نصّ فیه. وثانیتها: فیما إذا كان النصّ مجملاً. وثالثتها: فی تعارض النصّین.

وثانیاً: فی الشبهة الوجوبیة أیضاً فی ضمن مسائل. مع اتّحاد ملاك البحث فی الجمیع، فإنّ إجمال النصّ وتعارض النصّین سواءٌ كانا فی الشبهة الوجوبیة أو التحریمیة ملحقان بفقدان النصّ. نعم، بناءً على التخییر فی تعارض النصّین لا وجه لإلحاقه بما لا نصّ فیه، لمكان وجود الحجّة المعتبرة وهو أحد النصّین.

ویمكن أن یقال: إنّ فی مسألة تعارض النصّین بناءً على التوقّف لا مجال لأصل البراءة إلّا فی بعض موارده، فإنّه لیس معنى التوقّف سقوطهما عن الحجّیة بالمرّة، بل معناه عدم كون کلّ واحد منهما حجّة فی تعیین مؤدّاه فی مقابل الآخر، وإلّا فلا ترفع الید عن حجّیتهما فی

 

نفی الثالث، فالرجوع إلى الأصل إنّما یجوز إذا كان موافقاً لأحد النصّین، كما لا یخفى.

وأمّا قوله: «جاز شرعاً وعقلاً»، فیحتمل أن یكون مراده أنّ فعل ما شكّ فی حرمته وترك مشكوك الوجوب یجوز عقلاً، بمعنى عدم وقوع المكلّف فی تبعة ترك التكلیف وهو استحقاق العقوبة، لعدم كون الاحتمال موجباً لذلك. وشرعاً بمعنى عدم إیجاب الاحتیاط الطریقی من قبل الشرع. 

ویحتمل أن یكون المراد من الجواز الـشرعی عدم كون التكلیف فعلیاً بحیث تعلّقت به الإرادة الفعلیة، حتى یكون فعل محتمل الحرمة أو ترك محتمل الوجوب فی صورة وجود التكلیف مخالفةً للمولى وعصیاناً له، بل هو باقٍ فی مرتبة الاقتضاء والإنشاء. ومن الجواز العقلی عدم تنجّز التكلیف بمعنى عدم كون مخالفته خروجاً عن رسم العبودیة وطغیاناً على المولى حتى یستحقّ بذلك العقاب.

وأمّا احتمال كون الجواز العقلی بمعنى عدم تبعةٍ للمكلّف فی ارتكاب محتمل الحرمة وترك محتمل الوجوب، والجواز الشرعی بمعنى الحكم الظاهریّ المجعول فی ظرف الشكّ، فهو خلاف التحقیق؛ فإنّ حكم العقل بعدم وقوع العبد فی تبعة ترك التكلیف متوقّف على حكمه بعدم تنجّز التكلیف وجوازه بهذا المعنى، ومع عدم حكمه بعدم تنجّز التكلیف لا مجال لحكمه بعدم وقوعه فی تبعة تركه.

وأمّا الحكم الظاهری، فلا فائدة فی جعله. مضافاً إلى أنّه لا دلیل علیه، فإنَّ مثل حدیث الحجب،([7]) والرفع([8]) إنّما یدلّ على رفع ما لا یعلمون، أو ما حجب الله‏ علمه عن العباد، ولا دلالة لهما على الحكم الظاهریّ أصلاً؛ وما هو مثل: «كل شیء لك حلال...» إلخ فلا یجری إلّا فی الشبهات الموضوعیة دون الحكمیة، هذا.

 


([1]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص165.

([2]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص165.

([3]) ذكر المحقّق الخراسانی+ إشكال السیّد البروجردی+، والجواب عنه فی هامش الكفایة (مؤسّسة آل البیت)، ص337 بقوله: «لا یقال: إنّ قاعدة الطهارة مطلقاً، تكون قاعدة فی الشبهة الموضوعیة، فإنّ الطهارة والنجاسة من الموضوعات الخارجیة الّتی یكشف عنها الشرع. فإنّه یقال: أوّلاً: نمنع ذلك، بل إنّهما من الأحكام الوضعیة الشـرعیة، ولذا اختلفتا فی الشرائع بحسب المصالح الموجبة لتشریعهما، كما لا یخفى.

وثانیاً: إنّهما لو كانتا كذلك، فالشبهة فیهما فیما كان الاشتباه لعدم الدلیل على أحدهما كانت حكمیة، فإنّه لا مرجع لرفعهما إلّا الشارع، وما كانت كذلك لیست إلّا حكمیة».

([4]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص167.

([5]) كما صرّح بذلك فی هامش الكفایة (مؤسّسة آل البیت×)، ص338.

([6]) انظر: الأنصاری، فرائد الاُصول، ص192 وما یلیها.

([7]) الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضی، ج27، ص163، ب 12، ح 33.

([8]) الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، ج15، ص369، ب 56 ، ح 1.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: