جمعه: 7/ارد/1403 (الجمعة: 17/شوال/1445)

التنبیه الثانی: الشكّ فی الجزئیة أو الشرطیة فی حال النسیان

إذا شكّ فی جزء أو شرط أنّه هل هو جزء أو شرط للمأمور به فی حال نسیانه هذه الجزء أو الشرط أم هو مختصّ بحال كونه ذاكراً له؟

وبعبارة اُخرى: هل هو مثل ما إذا شكّ فی أصل جزئیة شیء أو شرطیته؟ فیقال فیه ما ذكرناه من الأقوال فیه من البراءة العقلیة والشرعیة عنه، لانحلال العلم الإجمالی بوجوب الأقلّ أو الأكثر فی حال النسیان بالعلم التفصیلی بوجوب الأقلّ؛ أو یقال بعدم جریان البراءة العقلیة ووجوب الاحتیاط بالإعادة، وجریان البراءة النقلیة، بل وعدمها أیضاً، لعدم انحلال العلم المذكور؛ أو یقال بوقوع کلّ جزء من الأجزاء تحت الوجوب المنبسط على جمیع الأجزاء، فیكون الشكّ فی الجزء المنسـیّ من الشكّ البدویّ، والأقلّ واجباً بالوجوب الضمنی، وقد مرّ تفصیل ذلك کلّه.

 

ولكنّ الظاهر أنّ کلّ ما ذكر مبنیّ على إمكان توجیه الخطاب إلى الناسی، فالانحلال المذكور متوقّف علیه، وأصل دوران التكلیف بین الجزء المنـسیّ وسائر الأجزاء أیضاً یتوقّف على إمكان خطابه والتفات الناسی إلى نسیانه.

ومن الواضح أنّ خطاب الناسی بهذا العنوان یلزم منه عدمه وانقلابه إلى عنوان الذاكر. ومن جانب آخر المركّب الخالی من هذا الجزء الّذی هو المأمور به للناسی أیضاً لا یمكن تعلّق الخطاب به؛ لأنّه أیضاً یلزم من وجوده عدمه، لأنّه حین عدم التفاته وغفلته لا یمكن توجیه الخطاب نحوه بمثل: «یا أیّها الغافل» و«یا أیّها الناسی»، ولو التفت بهذا الخطاب یخرج عن غفلته ونسیانه ویدخل فی الذاكرین.

فعلى هذا، لا یدخل المقام فی بحث البراءة والاحتیاط، ولیس البحث عنه كالبحث فی أصل الشكّ فی الجزئیة والشرطیة والأقلّ والأكثر. فالمركّب الخالی من الجزء المنـسیّ الّذی یأتی به الناسی لیس المأمور به أصلاً؛ وإن دلّ دلیل على صحّته لابدّ وأن یحمل على وقوعه بدلاً منه.

وبالجملة: فتصویر كون الفاقد للمـنسیّ مأموراً به والناسی مخاطباً به فی غایة الإشكال؛ لأنّ توجیه الخطاب نحو الناسی بهذا العنوان یكون لغواً لا یوجب التفاته إلى الخطاب وبعثه به نحو الفعل لغفلته عن نسیانه، وعلى فرض التفاته إلى نسیانه یخرج عن كونه ناسیاً ومخاطباً لخطابه بعنوان الناسی.

وقد قیل للتفصّی عن هذا الإشكال وجوه یأتی الإشارة إلیها:([1])

 

فمنها: أن یقال بإمكان أخذ الناسی عنواناً للمكلّف وتكلیفه بما عدا الجزء المنـسیّ والناسی وإن یمنعه النسیان من الالتفات إلى ذلك الخطاب لعدم التفاته إلى نسیانه، ولا یمكنه امتثال الأمر المتوجّه إلیه بهذا الخطاب لكن امتثال الأمر لا یتوقف على أن یكون المکلّف ملتفتاً إلیه بخصوصه والعنوان الّذی خوطب به، بل یكفی فی ذلك الإتیان بالفعل المأمور به بأیّ عنوان توهّم كونه مخاطباً به من باب الخطأ فی التطبیق، فهو فی الواقع قصد الأمر المتوجّه إلى ما عدا الجزء المنسیّ الّذی توهّمه بعنوان لا ینطبق علیه، وهو فی الواقع معنون بعنوان خوطب هو به.

واُجیب عن ذلك بأنّ فائدة الأمر البعث والتحریك به نحو الفعل ومثل هذا لا یكون سبباً للانبعاث والتحریك ولا یكون أمراً حقیقة.

ومنها: أن یقال: یمكن أن یكون أمر الناسی بما عدا الجزء المنسیّ بعنوان آخر یلازم نسیان الجزء الخاصّ. وقد مثّل له البعض بأن یكون بلغمیّ المزاج دائماً ینسـی السورة، فیخاطبه بهذا العنوان فی الأمر بما عدا الجزء المنسیّ.

ولا یخفى: أنّ ذلك مجرّد الفرض لا یوجد عنوان كان ملازماً لنسیان الجزء من السورة والذكر وسائر الأجزاء غیر الركنیة.

ومنها: ما نذكره بلفظ اُستاذنا المحقّق الكاظمی+ فی ما كتبه تقریراً لأبحاث اُستاذه، فقال: «الوجه الثالث: هو ما أفاده المحقّق الخراسانی([2]) وارتضاه شیخنا الاُستاذ، وحاصله: أنّه یمكن أن یكون المکلّف به فی الواقع أوّلاً فی حقّ الذاكر والناسی هو خصوص بقیة الأجزاء ما عدا الجزء المنسیّ، ثم یختصّ الذاكر بتكلیف یخصّه بالنسبة إلى الجزء الذاكر له ویكون المکلّف به فی حقّه هو العمل المشتمل على

 

الجزء الزائد المتذكّر له، ولا محذور فی تخصیص الذاكر بخطاب یخصّه، وإنّما المحذور كان فی تخصیص الناسی بخطاب یخصّه...» إلى آخر کلامه،([3]) فراجع إن شئت.

هذا، وأمّا السیّد الاُستاذ+ فقد حكى عنه المقرّر الفاضل ونسبه إلیه، وقال: إنّه ما أفاده السیّد الاُستاذ وخطر ببالی القاصر، وهو: أنّ الصلاة الّتی اُمر بها جمیع المکلّفین على اختلاف أصنافهم ـ من الحاضر والمسافر، والعاجز والقادر، والذاكر والناسی، وفاقد الماء وواجده، والطاهر من الخبث، وواجد الساتر، وغیر هؤلاء، لها أفراد مختلفة بحسب هذه الحالات ینطبق على الجمیع عنوان الصلاة الّتی هی المأمور بها، ولا یحتاج کلّ فرد منها إلى أمر خاصّ به حتى لا یمكن توجیه خطاب خاصٍّ إلى الناسی، ولا یلزم أن یكون الناسی الّذی ما یأتی به من الأجزاء عدا الجزء المنـسیّ ملتفتاً إلى نسیانه وأنّ هذه الأجزاء إنّما تكون منطبقاً لعنوان الصلاة وفرداً لها لنسیانها الجزء الخاصّ، بل یكفی كونها فی هذا الحال فرداً للصلاة ومصداقاً له.

وهذا کلّه بحسب مقام الثبوت، وكون البحث فی المقام أیضاً البحث عن البراءة والاحتیاط. وعلى هذا، إن دلّ الدلیل فی مقام الإثبات على عدم جزئیة المنـسیّ حال النسیان مثل «حدیث الرفع»([4]) مطلقاً، و«لا تعاد»([5]) فی الصلاة یحكم بالامتثال وعدم وجوب الإعادة، والبراءة عن الجزء المنسیّ.

وبالجملة: یقال فیه ما قلنا فی الشكّ فی أصل الجزئیة والشرطیة. والله هو العالم.

 


([1]) راجع: الأنصاری، فرائد الاُصول، ص286 - 288؛ الکلانتری الطهرانی، مطارح الأنظار، ص22؛ الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص24؛ الخراسانی، حاشیة کتاب فرائد الاُصول، ص156؛ النائینی، فوائد الاُصول، ج4، ص210؛ الأصفهانی، نهایة الدرایة، ج2، ص279؛ العراقی، نهایة الأفكار، القسم الثانی من الجزء الثالث، ص420؛ الخراسانی، درر الفوائد، ج2، ص141.

([2]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص240.

([3]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ج4، ص213.

([4]) مرّ تخریجه فى الصفحة 45 وما یلیها.

([5]) عن أبی جعفر× أنّه قال: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود»، ثم قال: «القراءة سنّة، والتشهّد سنّة، ولا تنقض السنّة الفریضة». الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج1، ص 339، ب 49، فی أحكام السهو فی الصلاة؛ الطوسی، تهذیب الأحکام، ج2، ص152، ح598/55، باب 9، فی تفصیل ما تقدّم ذكره فی الصلاة؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، أبواب القراءة فی الصلاة، ج6، ص91، ب29، ح5.

موضوع: 
نويسنده: