جمعه: 7/ارد/1403 (الجمعة: 17/شوال/1445)

الكلام فی أخبار من بلغ، وقاعدة التسامح فی أدلّة السنن

حیث انتهى الكلام إلى هذه الأخبار فلا بأس بإجراء الكلام فی دلالتها، فنقول: قد أفتى المشهور ـ كما أفاده فی الكفایة([1]) ـ باستحباب نفس العمل الّذی بلغ علیه الثواب كسائر المستحبّات، فتستكشف بطریق الإنّ ووجود المعلول العلّة، أی یستكشف بالثواب المترتّب على نفس الفعل استحبابه الّذی هو العلّة لترتّب الثواب علیه استحباباً شرعیّاً كسائر المستحبات، فهو یكون مأموراً به بالأمر الندبی. وهذا ظاهر صحیح هشام بن سالم المرویّ فی المحاسن عن أبی عبد الله×، قال: «من بلغه عن النبیّ شیءٌ من الثواب فعمله، كان أجر ذلك له وإن كان رسول الله| لم یقله»،([2]) فإنّ الظاهر منه ترتّب الثواب على نفس العمل لا بعنوانه الثانوی وإتیانه احتیاطاً وانقیاداً. خلافاً للشیخ+،([3]) فإنّه یرى أنّ ترتّب الثواب على العمل لیس بعنوانه الأوّلی بل بعنوان الانقیاد والإطاعة، وعلیه یستكشف بطریق الإنّ أنّ الاحتیاط فی موردٍ قام الخبر علیه یكون مستحبّاً وإن كان الخبر ضعیفاً، وذلك بدعوى دلالة بعض أخبار الباب على ذلك، ففی بعضها: «من بلغه ثواب من الله

 

عزّ وجلّ على عملٍ فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب اُوتیه وإن لم یكن الحدیث كما بلغه».([4])

ولكن یمكن أن یقال بعدم التنافی بین الخبرین، لعدم تقیّد صحیح هشام فهو مطلق فی ترتّب الثواب وإن لم یكن احتیاطاً والتماساً لذلك الثواب، وعدم استفادة كون الثواب مقیّداً بكونه ملتمساً له.

هذا مضافاً إلى أنّه یمكن أن یقال: إنّ أخبار الباب باختلاف مضامینها تدلّ على الترغیب فی فعل ما ورد الخبر بترتّب الثواب علیه ولا حاجة إلى استكشاف الأمر الندبی بطریق الإنّ لأنّه لا موقع للترغیب إلّا إذا كان العمل مطلوباً ومحبوباً عند من یرغِّب إلیه، وهذا هو الاستحباب. فلا یلزم فی إثبات الاستحباب الأمر بالفعل، كما لا یجب ذلك فی إثبات الوجوب، وكذا الحال فی النهی.

وبعد ذلك کلّه یمكن أن یقال: إنّ استفادة الاستحباب من هذه الأخبار تدور مدار استفادة كونها فی مقام التشریع لا الإخبار، وما هو الظاهر منها أنّها إخبار عن سعة تفضّل الله على عباده، وأنّه لا یخیّب رجاء من رجاه.

ویمكن أن یقال: إنّ الترغیب إلى إتیان کلّ عملٍ بلغ عن النبیّ| له ثوابٌ، یوجب ورود كثیر من الأعمال المباحة عملاً وفی عالم الظاهر فی دائرة العبادات والشرعیات واشتغال الناس بها وانـصرافهم بها عن الاُمور الأصلیة والمقاصد الشرعیة، وبعید من حكمة الشارع فتح باب ذلك.

ولذلك نقول: إنّ القدر المتیقّن من هذه الأخبار أنّ من بلغه ثواب على عمل ثبت رجحانه وجوباً أو ندباً، أو على ترك ثبت مرجوحیّته تحریماً أو تنزیهاً، فأتى بالأوّل

 

وترك الثانی التماساً لدرك الثواب الّذی بلغه عن النبیّ| یكون له هذا الثواب، والله هو العالم.

 

([1]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص200.

([2]) البرقی، المحاسن، ج1، ص25؛ المجلـسی، بحار الأنوار، ج2، ص256، ح3؛  الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، أبواب مقدّمة العبادات، ج1، ص81، ب 18، ح 3.

([3]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص230.

([4]) الکلینی، الكافی، ج2، ص87، ح2؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، أبواب مقدّمة العبادات، ج1، ص82، ب 18، ح 7.

موضوع: 
نويسنده: